قانون الغاب في التربية

09 ديسمبر 2017
ويترسخ لدى الأبناء مبدأ البقاء للأقوى(Getty)
+ الخط -
"اللي يضربك اضربه، خد حقك بذراعك..."، من المقولات التي يكثُر استخدامها على لسان الأمهات والآباء حين يهرع إليهم أولادهم يبكون من اعتداء آخرين عليهم لفظياً أو جسدياً، خاصة في أماكن عامة مثل المدرسة أو النادي.

تشعر الأم بأنها قد قامت بواجبها التربوي وتوعية أبنائها كيف يستردون حقوقهم بترسيخ تلك المبادئ من خلال تلك المقولات وكأنها الوصفة السحرية التي سوف تخلص أبناءها من المُعتدين. وحين يأتيها ابنها وقد تبنى سياسة "البادئ أظلم"، وبعد أن رد الصاع صاعين للمعتدي تُشعره بأنه الابن المُظفر ويستحق لقب رجل بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى، لأنه ببساطة استطاع رد كرامته وأخذ بثأره! وكأن الرجال تُعرف بالعضلات.
ويترسخ لدى الأبناء مبدأ البقاء للأقوى، وبهذا نكون حولنا أبناءنا إلى حيوانات الغاب التي تتصارع من أجل البقاء، ودون أن نشعر بأننا نرسخ معاني سلبية داخل عقولهم، وأننا نُقحمهم في حلقة مُفرغة من العُنف، فماذا لو قام الابن برد الضربة ولكن بمقدار أو قوة مُضاعفة فهل من حق الطفل المُعتدي رد ضربة إضافية حتى يصبح الخصمان متعادلين..؟! شيئاً فشيئاً يتحول أطفالنا إلى أطفال عدوانيين ثم بعدها نشتكي ونتساءل كيف حدث هذا؟ غافلين عن كل تلك الرسائل الخفية التي قمنا بدسها في أمخاخ أطفالنا مُبكراً. 

لا تدري الأم أيضا بأنها تُرسل رسائل ضمنية بأن المؤسسة التي ينتمي إليها الأبناء لا يوجد بها مسؤول يُحترم نلتجئ إليه في الأزمات، أو أن المؤسسات التي ننتمي إليها تخلو من القواعد الحاكمة التي تمكننا من استعادة حقوقنا بأساليب مُتحضرة بعيدة عن استخدام العضلات، لذا تنهار ثقة الأبناء في دور المؤسسات التربوية التي من المفترض أن تعزز لديهم احترام القواعد والقوانين واحترام الحقوق والقصاص المشروع.. للأسف هذا السلوك العدواني من الممكن أن يعم على كل تصرفات أبنائنا ومواقف حياتهم ويرسخ عندهم مفهوم الغاية تبرر الوسيلة، فما الذي يمنعه من أن يضرب إخوته في ما بعد؟! وتجد الأبناء يصنفون من لا ينجرف في رد العدوان بأنه سلبي أو "غلبان".

نحن لا نريد أبناءنا بلا شخصية أو مهزومين، ولكن هناك فرق شاسع بين أن يكونوا حازمين في رد الاعتداء وأن يردوا الإساءة بإساءة أخرى وهلم جرا حتى تنتهي بمعركة دامية، أين معاني كظم الغيظ والتسامح والعفو عند المقدرة، خاصة إن اعتذر من أخطأ أو لم يكن متعمد الإيذاء؟!

لذا ننصح الآباء بمراعاة الآتي:
- تعليم الأبناء كيفية إدارة العنف ورده منذ البداية بأن يقبض بقوة على يد المُعتدي مثلا أو أن يترك المكان الذي يتواجد فيه المعتدون أو أصدقاء السوء.
- من الأولى تعليم الأبناء اللعب مع الأخيار أو تجنب اللعب العنيف أو تبادل الشتائم أو المزاح باستخدام الأيدي، فهناك فرق بين المزاح وإهدار الكرامة.
- في المراحل العمرية الصغيرة يكون من الأجدى الاستعانة بالأهل، وخاصة أن الأبناء في هذه المرحلة يكونون بحاجة إلى الدعم النفسي والتفهم وغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم بمفردهم.
- من المهم إجراء حوار مع المُعتدي أولاً قبل أهله لنعلم الدافع وراء فعلته ونرى الصورة كاملة قبل إصدار الأحكام.
- إذا تواصل أهل المعتدى عليه مع أهل المُعتدي فلا بد أن نُريَ أبناءنا حوارا هادئا واعيا ونضرب مثلا بأن الاحتكام إلى العقل والمنطق هو الأساس وقت الاختلاف.
- وأخيراً أن نغرس في أبنائنا أن القوي هو الذي يقدر على كبح جماح غضبه وإدارته بدلا من أن نطلق العنان فنصبح تحت رحمته وقد يقودنا إلى مزيد من الخسائر.
المساهمون