قانون التقشّف والاستغلال للمصريين

19 اغسطس 2015
الشارع المصري يرفض "قانون الخدمة المدنية"
+ الخط -
اندلعت احتجاجات واسعة ضد قانون الخدمة المدنية في مصر، أكثر من 5 آلاف عامل يتظاهرون ضد القانون الذي حمل رقم 18 لسنة 2015 والذي أتى بديلاً عن قانون 47 لسنة 1978. أتت التظاهرات العمالية المتتالية ضد القانون لتعبّر عن غضب واسع يعتري نحو 6 ملايين موظف سوف يقعون تحت رحمته. القانون الجديد الذي كان حبيس الأدراج أيام حكم مبارك أصدرته المجموعة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء. وتصدّرت الشعارات القديمة المشهد، فهو من وجهة نظر الحكومة يسعى إلى الإصلاح الاقتصادي. واستكمالاً للشعارات الخادعة والمتكررة، أقر القانون تحت حجة "خطة الإصلاح الإداري والوظيفي". تلك الخطة التي أعلنت في أغسطس/ آب 2014 بعد إقرار الموازنة التي شملت تخفيض الدعم والإنفاق الاجتماعي تحت شعار ترشيد الإنفاق. وأضافت الدولة إلى شعاراتها المعهودة شعارات أخرى لتسويق القانون كمحاربة الفساد وإقرار العدالة الوظيفية.

لكن تلك الشعارات كغيرها تخفي مضموناً اقتصادياً مختلفاً، حين أعلنت حكومات سلطة مبارك شعار الإصلاح الاقتصادي كان المستهدف بيع الأصول وتخلي الدولة عن التصنيع وترك السوق للنهب وسيطرة الاحتكارات. والآن الشعار ذاته يُرفع ليخفي فلسفة الحكم الاقتصادية.
القانون كما يتضح من بنوده يسعى إلى تخفيض وتقليص العمالة، حيث يسمح بالفصل الوظيفي، وهو الهدف الذي سبق وأعلن عنه وزيرا التخطيط والمالية منذ عام مضى. كما يسعى القانون لخفض الحوافز وتقليص الأجور. وهذا الإجراء هو الحل الأوحد لدى المجموعة الاقتصادية لمعالجة أزمة الموازنة من دون المس بالهدر وقنوات الفساد، وهو ذاته الهدف الذي لم يخفِه وزير المالية في سياق تبرير القانون، بل مع كل إجراء للتقشف يتصاعد استهداف الحكومة للأجور على أنها سبب أزمة الموازنة. والحكومة بذلك تتجاهل معدلات التضخم المتزايدة وعدم تناسب الأجور مع متطلبات المعيشة اليومية للعاملين، ناهيك عن الخلل في نظام الأجور المصري ذاته. ففي الوقت الذي يتقاضى معظم الموظفين الفتات، تحصل قلّة من شاغلي المناصب العليا على أجور مبالغ فيها ويتم استثناؤهم من الحد الأدنى والأعلى من الأجور.

يعد أكثر القطاعات تضرراً من هذا القانون ما يسمى بقطاع العاملين في المصالح الإدارية، وعلى رأسهم العاملون في الضرائب العامة والضرائب على المبيعات والجمارك. لذا كانت تلك الفئات هي من تصدّرت مشهد الاحتجاج وطالبت بإلغائه أو تعديله. تريد الدولة توفير نحو 42 مليار جنيه عبر إقرار القانون، وهي على سبيل المثال تريد خفض الأجور للعاملين في مصالح الضرائب رغم أن ما يضخونه في الميزانية ارتفع إلى أكثر من 30%. تبرير آخر يتم تسويقه ضمن تبريرات إصدار القانون، أنه سوف يوقف الفساد في جهاز الدولة، وهنا تناقض الحكومة نفسها، حيث سيدفع خفض الأجور في قطاعات مأزومة، موظفي هذه المصالح إلى الفساد.

كل مرة يصدر تشريع أو قرار اقتصادي جديد تنكشف حقيقة توجهات المجموعة الاقتصادية الحالية. تلك المجموعة واضحة في خطتها وانحيازها الاقتصادي والاجتماعي. أثبت المشهد الاحتجاجي في قلب العاصمة المصرية أن الطبقة العاملة وحدها تفرض صوتها. وبقدرتها على الحشد والتنظيم، تستطيع الصمود وتحقيق مطالبها. لذا لم تتصدّر المشهد الاحتجاجي القوى السياسية المستسلمة لتوجهات الحكم.

الواقع أصبح أكثر وضوحاً. سياسياً، يفرض النظام ممارسات قمعية تسلّطية، واقتصادياً يفرض حصاره على الشعب عبر إجراءات التقشف، ويسن قوانين للعمل ترسّخ العبودية والاستلاب، كقانون الخدمة المدنية الحالي. وكلا المسارين الاقتصادي والسياسي في ترابط وتناغم تامين.
ولعلّ القانون وما يحمله من أهداف اقتصادية يحمل أيضاً بعداً سياسياً هو إخضاع كل العاملين بأجر لسلطة الرؤساء في العمل، ولا يستثنى من تطبيقه سوى مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء. وهو استثناء معلوم بحكم طبيعة السلطة التي تستثني قطاعاتها، من البيروقراطية العليا والأجهزة الأمنية، من قوانين الجباية والتقشف. فهؤلاء لهم الجنة وللشعب نار التقشف.

(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية/ جامعة القاهرة)
المساهمون