قاعة الأختين

29 سبتمبر 2015
قبة المقرنصات في "قاعة الأختين" (Getty)
+ الخط -
يكفي الاسم وحده، "قاعة الأختين"، لينفتح الخيال على الأسطورة والقصص الشعبية، ويزداد الأمر ألقًا وتوّهجًا، حال كانت "قاعة الأختين" في قصر الحمراء بغرناطة، فيتصوّر المرء أن فتاتين أختين سكنتا ها هنا، ولعلّ سرًا ما، خلبيًا كالأسطورة، دار في ردهات هذا المكان "الخرافي"، فعشقتا، أو عُشقتا، أو قُتلتا أو قتلتا، وبالطبع كانت الأختان جميلتين بشكلٍ يفوق الوصف.
لكن لا، والسبب واضح، فالجمال المبهر في المكان، لا يحتاج قصّة خلبيّة ولا أسطورة خرافية، إذ إن شيئًا لن يزاحم بهاء العمارة العربية الأندلسية ورقّة هندستها في قلوب الناظرين.
الأختان محض قطعتي رخام كبيرتين متماثلتين (2.25م)، ولونهما أبيض، لأن النقاء في اللون يتناسب مع الماء السارح أقنيةً ومواسير في ردهات وقاعات وبهوات وباحات قصر الحمراء المنيف، ممتزجًا بمفهوم الطهارة غبّ الصلاة في الدين الإسلامي.
أقامت عائشة الحرة، والدة أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس، الذي شهد طرده من جنّة غرناطة، في المكان الذي تتكفّل روعة عمارته بتبديد كل الأساطير والخرافات.
ادخل إلى المكان، ففي منتصفه بركة خفيضة تُحيط بها الرخامتان الأختان، ومنها تنفتح قناة ضيّقة لتصبّ خارجًا في واحدة من أشهر باحات القصر: باحة الأسود.
فلا تنظر خارجًا نحو الباحة، بل فكّر كعربي وارثٍ للفنّ الإسلامي؛ ماء وطهارة. قل "حمدًا لله"، وارفع رأسك عاليًا صوب تلك القبّة ذات المقرنصات. قبّة ستجعلك من تلقائك هاتفًا "باسم الله".
تتشابك قطع صغيرة جصيّة وتتراكب بانتظام هندسي صارم، وتحمل للناظِر إليها ذهولًا لا نهائيًا، فهي تتفتح كالوردة الحسناء: مركزها يزيغ البصر، وأطرافها تتماوج. لكأن القطع الصغيرة تدور وتتحرك في فلك أثيري. خلف هذا الجمال المنظّم والمعقّد، مفهوم مكين في الفنّ الإسلامي؛ الأمور لا متناهية. واللا متناهية هذه ليست إلا تقديرًا وإجلالًا لربّ العالمين.

اقرأ أيضاً: ثوب الأمير أبو عبد الله الصغير

الإيمان متقدًا، هو أيضًا أسّ الهندسة العربية الإسلامية، فبناء قبّة المقرنصات الخلبيّة، يجيء من المنمنم والفائق الصغر، يجيء من شكل المربع. خطٌ مائلٌ يقسم المربع إلى مثلثين، والمثلثان سيتراكبان ويتواليان ضمن منظور هندسي يقوم على التناظر والمقابلة الدقيقين. من أصغر الوحدات الهندسية إذن، ينداح جمال التفكير صوب ابتكار عمارة ملؤها الإيمان برب العالمين.
تحت قبّة المقرنصات، لا يسع الناظر التنفس، فالجمال آخّاذ، وبالتلابيب. وإن هربتْ الأسطورة، لئلا تبدو باهتة أمام جمال القبّة، جاء الذي..
جاء الشعر طبعًا، فهو الذي يهدّئ الروع ويعطي السكينة؛ كذا في "قاعة الأختين" قصيدة لابن زمرك، منها اقتطفنا بيتان "أختان": "أنا الروض قد أصبحت بالحسن حاليا/ تأمّل جمالي تستفد شرح حاليا/ وتهوى النجوم الزهر لو ثُبِّتت بها/ ولم تَكُ في أفق السماء جواريا".
المساهمون