قادة مسلمون ينتظرون مصيرهم في فرنسا

23 ديسمبر 2018
في أحد مساجد فرنسا (شارلي تريبالو/ فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر القادة المسلمون في فرنسا خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون بفارغ الصبر. بعض هؤلاء يخشون إبعادهم من قبل السلطة السياسية والاستعانة بآخرين، في سياق محاربة التطرف في البلاد. ويبدو أن أوضاع هؤلاء ليست في أفضل حال

على الموقع الإلكتروني لمسجد باريس الكبير، لا بد وأن يُرى الحيّز الممنوح للقاء الذي جمع عميد المسجد دليل بوبكور ورسام الكاريكاتور الشهير في صحيفة "لوموند" جان بلانتو. وليس دليل بوبكور أول من فتح قلبه لهذا الرسام، بل فعلها قبل ذلك الرئيس ياسر عرفات وغيره.
وأسفر اللقاء بين عميد المسجد الكبير، الذي يتحكّم بنحو 30 في المائة من مساجد فرنسا، وبين الرسام الكبير، عن كتاب - حوار، بعنوان لا يخلو من إثارة: "عشرة أسباب كي لا يفجّر المرء نفسه". والكتاب يقترح، استجابة لطلب جان بلانتو، عشر طرق لتجنب اعتداءات جديدة من قبل شباب مسلمين، وهي استعادة لمقترحات هذه الشخصية التي تعشق العلاقات العامة والجلوس على طاولة الجمهورية. ومن هذه المقترحات تطوير الحس النقدي، وتكريس الأخوة بين الجماعات وغيرها.




وليس صدفة أن يخرج العميد ومستشاروه بهذا الكتاب، الذي يتضمن أجوبة لا بد وأن تروق للسلطات الفرنسية والرأي العام الفرنسي، خصوصاً حين يتحدّث عن منفذّي الاعتداءات الإرهابية: "هؤلاء ليسوا نماذج لنا. إذا كانوا موجودين هنا، فهو خطأ أوروبا والغرب اللذين سمحا بوصول هؤلاء الدعاة للكراهية، هؤلاء المتاجرين بالدين الذين نجحوا في تلويث سكان جاهلين. وأنا، هنا، مثل إيميل زولا، في قضية دريفوس، أتهم كل الحكومات التي سمحت بدخول هؤلاء، كما لو لم يحدث شيء".

والمتابعون لقضية الإسلام في فرنسا، لا بد وأنهم يعرفون أن كل حكومة فرنسية جديدة تحاول الإصلاح، وبالتالي فرض رجالاتها. هذا ما قاله الرئيس إيمانويل ماكرون بعيد وصوله إلى السلطة، من أجل انبثاق إسلام فرنسي، وخلق علاقات طبيعية ومسالمة بين المسلمين والجمهورية.

وليس سرّاً أن الرئيس الفرنسي الشاب يريد رؤية جيل جديد شاب من ممثّلي الإسلام الفرنسي، أي فرنسيين لا ولاء لهم لحكومات أجنبية، ما يعني وضع حد لهيمنة هؤلاء القياديّين الذين يرتبطون بعلاقات خارجية، ولا يعرف عنهم غالبية مسلمي فرنسا شيئاً. لا شك أن دليل بوبكور عرف أن السلطات تأمل في تقاعده مع آخرين. وتوتّرت العلاقة بين الإيليزيه وبوبكور حين اكتشف الأخير أنه ليس في قائمة المدعوّين لتهاني العام الجديد 2018، في وقت حضرت زعامات إسلامية أخرى. وقرر مسجد باريس انسحابه من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، رداً على هذه المعاملة المهينة.

وفي نيّة الرئيس الفرنسي توجيه خطاب في هذا الصدد، لكنّه في كل مرة يضطر إلى تأجيله، بسبب المستجدات والأولويات. ومع اقتراب هذا الخطاب الذي سيكون ثمرة مشاورات متشعبة، بدأت تظهر مقترحات واستشارات تريد أن تشعر السلطات السياسية بأنها موجودة على الأرض ولا يمكن أن تفرض عليها أوامر من الخارج.

في هذا الإطار، نشر معهد "مونتين" الفرنسي تقريراً للباحث الفرنسي التونسي كريم القروي، المعروف بقربه من الرئيس الفرنسي، يقترح فيه ما يعتبره حلولاً للتصدي للإسلاموية في فرنسا، و"إعادة تنظيم الديانة الإسلامية من أجل مكافحة الإسلاموية". ويرى ضرورة "إنشاء مؤسسة مكلفة بتنظيم وتمويل الديانة الإسلامية"، وبحث تمويلها من خلال فرض ضريبة على المنتجات "الحلال".

لكن الباحث الذي عمل سابقاً مستشاراً لرئيس الحكومة اليميني الأسبق، جان بيير رافاران، لا يحظى بسمعة جيدة في الأوساط الإسلامية، كما أنّه لا يعرف الفاعلين الإسلاميين عن كثب، ما دفع جماعات إسلامية، من بينهم المدير السابق للتجمع ضد الإسلاموفوبيا مروان محمد، إلى الإعلان عن استشارة واسعة شملت نحو 30 ألف شخص من مسلمي فرنسا، أثمرت خلاصات عدة وشهدت ولادة حركة وموقع "المسلمون"، وهي حركة تؤكد أنها لن تصمت وتترك السلطات الفرنسية تقرّر كل شيء، إذ "لا مكان للوصاية". وتؤكد هذه الحركة، التي تنفتح على كل الشباب المسلم، ممن يرتاد المساجد ولا يرتادها، أن الجماعات الإسلامية في فرنسا متعددة ويجب احترام كل التعدديات، وجعل التعدد عامل قوة وفدرالية، من أجل تعزيز دور المسلمين في المجتمع الفرنسي وفتح آفاقهم، في انفتاح لا ينفي ولا يتعارض مع ثقافتهم ودينهم.

وفي انتظار خطاب الرئيس ماكرون، يحبس أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنفاسهم، خوفاً على توقف هذه الهيئة، التي ينتقدها القروي وحركة "المسلمون"، أي خوفاً على مصالحهم، هم الذين لطالما عرفوا كيف يُفعّلونها "من خلال تداول الرئاسة بين المكونات والدول الأجنبية".

ويقترح كريم القروي، ضمن ما يقترحه، وتؤيده السلطات الفرنسية، انبثاق "الإسلام الفرنسي" بدل "الإسلام في فرنسا"، وضرورة أن تكون الخُطب الدينية باللغة الفرنسية، ما ترد عليه منظمة "مسلمو فرنسا"، التي تدير عدداً كبيراً من المساجد في فرنسا وتنظّم لقاء سنوياً يحضره عشرات الآلاف من مسلمي فرنسا وأوروبا، وهي مكوّن من مكوّنات الإسلام الفرنسي، بأنها لن تنتظر القروي ولا أياً كان لتنفيذها قبل أكثر من عشرين سنة.




وعلى أي حال، فإن الرئيس الفرنسي ووزير الداخلية والأديان يعرفان أنه ليس من السهل التوفيق بين مكونات متباعدة وأحياناً متناقضة من ممثلي الإسلام في فرنسا، خصوصاً مع ضعف تمثيليتهم. وعلى الرغم من سياسة الترغيب والترهيب التي لعبتها حكومات سابقة، منها حكومة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، إلا أن كل شيء ينهار بعد ذهاب الحكومة.

وعلى الرغم من كلّ الخوف والحذر، لا بد من فعل شيء، حتى يصل الفرنسيون، يوماً، إلى اعتبار الإسلام ديناً فرنسياً، كما هو الحال مع ديانات سابقة، وهذا هدف نبيل، وهو ما وعد به الرئيس ماكرون الذي سيكشف عن كيفية الوصول إلى هذا الهدف.