قادة المليشيات في العراق... أصحاب سوابق وسطوة

19 ديسمبر 2015
يسيطر قادة المليشيات على بغداد (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
توقفت سيارة دفع رباعي، زجاجها داكن، قرب مقهى بمنطقة الكرادة في بغداد. ترجّل منها شاب يرتدي سروالاً عسكرياً مرقطاً وقميصاً أسود اللون. يتدلّى من حزامه مسدس من نوع "غلوك". قصد الشاب رجلاً ثلاثينياً، يجلس مع رفاقه داخل مقهى شعبي. سلّمه رقم هاتف، وأعلمه أن عليه الاتصال بصاحب الرقم، الذي أدرك الرجل من يكون.

كان ذلك في عام 2005، وكان الرجل الثلاثيني، بحسب أحد رواد المقهى، يُدعى جمال الكردي، من نزلاء سجن "أبو غريب" السابقين، وواحداً من بين أعتى أصحاب السوابق القلائل، الذين لم ينتموا حتى ذلك الوقت للمليشيات. لكن الإغراءات الكبيرة كانت كفيلة بقبوله إعطاء الولاء للجهة الساعية لاستغلال قدراته "الإجرامية"، وتوظيفها لصالحها بأسلوب جديد.

سرعان ما تغير حال الرجل الثلاثيني، الذي كان يُلقّب بـ"أبو كرار"، حتى إنه لم يعد مجدداً إلى ذلك المقهى سوى بضع مرات، برفقة مساعدين له، جميعهم من المسلحين. يمازح صاحب المقهى كعادته، ويمنح عامل المقهى إكرامية مالية. كما أنه دفع في إحدى المرات، ثمن مشروبات جميع الزبائن، وفق ما يرويه أحد الشهود لـ"العربي الجديد".

ويضيف الشاهد: "بعد نحو عام ألقت قوات الاحتلال الأميركي القبض على الكردي، وأودعته معسكر بوكا، ليس بسبب اشتراكه في عمليات اغتيال لضباط سابقين، وشخصيات أكاديمية، كما أُشيع عنه، ولكن بتهمة مقاومة الأميركيين".

"العربي الجديد" ومن خلال مراسلها في بغداد، التقى أحد قادة المليشيات، الذي لم تكن سيرته بحاجة إلى سؤال ليكشف عنها، فكل شيء بدا واضحاً من خلال رده على اتصالات لم تهدأ تأتيه من أشخاص، بعضهم ضباط في الأجهزة الأمنية. حتى إنه قال في إحداها، رداً عن استفسار من متصل حول شخص اسمه علاء: "أنا أكفله، عمل معي لفترة في التزوير". وفي اتصال آخر قال بعد حديث مع المتصل: "أنت نسيت ما بيننا، ونسيت أفضالي عليك حين كنا في السجن (أبو غريب)".

اقرأ أيضاً: العراق يخفض رواتب الموظفين لدعم الحشد الشعبي

ويجيب القيادي الذي لم يكن يعلم أنه يتحدث لجهة صحفية، حول إمكانية التوسط للإفراج عن معتقل دين بجرائم خطف وابتزاز: "إنه أمر سهل للغاية، تربطني علاقات قوية مع كبار الضباط والمنتسبين المسؤولين عن هذه القضايا، لكن ذلك يتطلّب مبلغاً لن يقل عن 20 ألف دولار".

ويسترسل القيادي الذي لم يكن يُعَرّف عن نفسه سوى بـ"سيد قاسم"، قائلاً: "شتّان ما بين الأمس واليوم، كان (الرئيس الراحل) صدام حسين يملأ بنا السجون، واليوم نحن من يفرج عن المساجين". ثم أطلق ضحكة قوية وهو يهز برأسه، تعبيراً عن غرابة الموقف الذي لم يكن أحد يتوقع حصوله.

كل من تربطه علاقة صداقة بقائد في المليشيات اليوم في العراق، يُعدّ من أصحاب الحظوظ العظيمة، لقدرة قادة المليشيات على عمل كل شيء. ومنهم من بات ثرياً، والكثير منهم أصبحوا أصحاب شركات تجارية، ومقاولات، وهو ما يشير إليه قيس التميمي، الذي يعمل في المقاولات منذ نحو 30 عاماً.

ويكشف التميمي لـ"العربي الجديد"، أنه "لا وجود للنزاهة في دوائر الدولة عند إحالة المشاريع للشركات والمقاولين، فجميع الشركات التي تفوز بالعقود ما كان لها وجود حتى سنين قريبة، وأصحابها قادة في المليشيات أو مسؤولون في الدولة، استحوذوا على المقاولات والمشاريع، بسبب نفوذهم وبسط سيطرتهم على مفاصل الدولة".

ويكشف ضابط في وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، عن أن "قادة في المليشيات يتمتعون بنفوذ داخل الأجهزة الأمنية لا يملكه ضباط كبار". والسبب وفق قوله "سيطرة المليشيات على المؤسسات الحكومية، لا سيما الأمنية منها".

ويضيف الضابط أن "تاريخ الكثير من قادة المليشيات ومن هم أدنى منهم مرتبة، حافل بالجرائم، وكانوا من أصحاب السوابق والمسجونين في قضايا مختلفة، بينها القتل والخطف والسرقة والتهريب والتزوير. وأنا أعرف العديد منهم بحسب عملي".

ويشير إلى أن "صدام حسين كان يُشدّد على القضاء، بعدم التهاون مع مرتكبي هذه الجرائم، وكان سجن أبو غريب يعجّ بهم". ويلفت إلى أن "احتلال العراق (2003) كان فرصة كبيرة لهؤلاء للبروز بعد هروبهم، والاستيلاء على أسلحة والقيام بعمليات سرقة المصارف والدوائر الحكومية، في عمليات النهب التي رافقت الاحتلال".

في هذا السياق، يقول المحلّل علي الصميدعي، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الأحزاب في العالم اعتمدت على أصحاب السوابق لتكوين قوى ضاربة لها، بعضها يعمل في الخفاء. وهو النهج الذي اعتمدته كذلك بعض الأحزاب التي ظهرت في العراق بعد عام 2003". ويضيف الصميدعي أن "الأحزاب تبحث عن قوة تدافع عنها، وتبسط من خلالها نفوذها وسطوتها، ولذلك اعتمدت على رجال شرسين ينفذون الأوامر، وكل ذلك مقابل توفير المال والإسناد الحكومي، والصفات تلك تتوافر عند أصحاب السوابق، الذين لا يترددون في تنفيذ المهام مقابل الكثير من المال والنفوذ".

اقرأ أيضاً جندي بريطاني شارك باجتياح العراق: لستُ حاقداً على المسلمين
المساهمون