في نمو المقاومة

31 يوليو 2014

شبان فلسطينيون يرفعون علم فلسطين وراية حماس (أكتوبر/2011/Getty)

+ الخط -


ليست الأشياء الرديئة فقط هي من ينمو ويتكاثر في العالم العربي. المقاومة الفلسطينية الحديثة التي أتت إلى المشهد، بعد تراجع منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات عن دورها النضالي، وضعف الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية، هي، أيضاً، نموذج ملهم ومبهج على مستوى المبادئ والإنجاز. من اختار المقاومة سينمو مقاوماً، أما من اختار ألا يكون شيئاً فلن ينمو فيه شيء.

تم الإعلان عن حركة المقاومة الإسلامية، حماس، بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في فلسطين، عام 1987. عكست إسرائيل في البداية لامبالاة بهذا الكيان المقاوم، بل أظهرت دوائر إسرائيلية بعض الفرح، على اعتبار أن هذا الكيان (المتبني للجهاد) سيكون خصماً جديدا غير عقلاني ولا مفاوضاً! كان هذا على مستوى التنظير، ولكن، لاحقاً في العام 1989، حظرت إسرائيل حركة حماس، واعتبرتها تنظيما إرهابياً.

بمرور الوقت، زادت قوة حماس، وأصبحت معضلة دائمة لإسرائيل، خصوصاً بعد تحولها قوة سياسية، بعد أن كانت قوة مقاومة، ثم قوة اجتماعية. هذا النجاح في البقاء والتطور، لتنظيم تم حصاره جغرافياً وسياسياً واقتصادياً أمر أثار الدهشة في العالم، لذا، سألوا أحد المحللين الغربيين مرة عن حماس، بعد أن أثبتت ثقلها في العالم السياسي: هل يمكن لتنظيم تم اتهامه بالإرهاب والتفجير أن يتحول إلى كيان سياسي له اعتباره في العالم؟ فأجاب: نعم، بالتأكيد. لا تنسوا أن بيغن ورابين وعرفات قد مروا من هذا الطريق نفسه.

وفي كتابهما "عصر حماس"، تعقب الباحثان الإسرائيليان، شاؤول مشعال وأبراهام، عقبات ومعضلات عديدة (الداخلية خصوصاً) مرت بها حماس، وكانت كل منها كفيلة بإنهاء الحركة. لكن الحركة نجحت مراراً في التكيف وإبداء المرونة والعودة، مرة بعد أخرى، بشكل أقوى وأعمق. علماً أن الكتاب كتب قبل دخول حماس إلى الحقل السياسي في العام 2005، وازدياد دوائر تأثيرها. ووافق انطلاق الحركة المقاوم ارتكازها الداخلي الذي سبق ظهورها السياسي، ما صعّب أمر إزالتها، فمما يذكره المؤلفان أن الحركة انغرست عميقاً داخل المجتمع الفلسطيني، ونجحت في التغلغل داخل كل أطيافه، ونالت كذلك تأييد المسيحيين الفلسطينيين، لأنها حركة صاحبة وجدان وإحساس اجتماعي، وتتميز بنشاطاتها المتنوعة والواسعة.

إن حماس تنمو، بينما إسرائيل تضيق وتصغر، حماس تتفوق على إسرائيل في مسألة المفاوضات والاعتبارات السياسية. في السنوات الأخيرة، أعلنت حماس على لسان خالد مشعل مدير مكتبها السياسي قبولها بدولة على حدود 1967. بينما إسرائيل خلال هذه السنوات ارتدّت إلى نقاطها الميتة، ومن ذلك العبث، اشتراطها لـ"يهودية الدولة"!

ليس ما ينمو في حماس هو فقط وعيها السياسي الذي جعلها تحسن التعامل مع أزمات "الربيع العربي" بأفق مرن وواعٍ، في وقت أسقطت فيه هذه الأزمات غيرها. وليس، أيضاً، صبرها على الحصار، وتدبر الإدارة السياسية والاجتماعية، وفق ثقافة المقاومة، في جوار عدو لا يرحم، ويريد إنفاذ الغدر من كل وجه. وما يلفت في حماس، أيضاً، هو تطور سلاحها المقاوم.

منذ بداية تأسيسها، عملت حركة المقاومة الإسلامية عبر استراتيجية التحرك، وفق ما هو متاح، والتطلع إلى تطويره. بعد أسابيع من انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة، في أواخر العام 1987، وبعد إيغال إسرائيل في الاعتداء على المحتجين، وزعت حماس المناشير لتكسب المنضمين الجدد لها، ولعبت دورها في الانتفاضة، بتبنيها الكفاح المسلح الذي استخدمت فيه السكاكين والمولوتوف والرصاص والمتفجرات. هاجمت حماس الجنود الإسرائيليين والمستوطنين والمتعاونين مع دولة الاحتلال. وكان لطبيعة العمليات الجريئة التي نفذتها حماس ودقتها، أثر في انتشار الرقعة الجغرافية للحركة، وكسبها تعاطف الجماهير. من أشهر عمليات تلك الفترة، خطف الجنديين، آفي سابورتس وإيلان سعدون، في العام 1989.

وبعد مذبحة الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول عام 1990، التي راح ضحيتها 21 شهيداً، دعت حماس إلى الجهاد ضد "العدو الصهيوني في كل مكان، وعلى كل الجبهات، وبكل الوسائل". استنفرت الجموع، وفي الخمسة أشهر اللاحقة، تم قتل نحو 13 إسرائيليا في عمليات مختلفة، لم يكن كل من نفذوها من حماس، لكن الحركة لعبت دوراً في التعبئة. استمرت حماس كذلك في تعبئة النضال الشعبي، بدعوة الجماهير لمقاطعة المصالح الإسرائيلية، والتمرد والعصيان المدني على قوانين الاحتلال، بجانب تعزيز التكافل والتضامن الاجتماعي بين الفلسطينيين.

بعد أن تعرضت حماس إلى ضربة عنيفة من إسرائيل، في العامين 1989-1990، تم على إثرها اعتقال قياداتها (منهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين)، ومئات من كوادرها، أنشأت الحركة جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسّام، في العام 1991، والذي بدأ أولى عملياته في العام الذي يليه، ثم توالت بعد ذلك العمليات الجريئة. وسجل العام 1993 معدلاً مرتفعاً في الإضرار بالعدو الذي وصل عدد ضحاياه في السنوات حتى عام 1997 إلى ما يقرب من ثلاثمائة قتيل.

كانت عملية السلام في العام 1993، وما بعده، تمثل تهديداً لوجود حماس وفكرتها، ومثل عقد التسعينيات فترة في غاية الصعوبة على الحركة، وبسبب ضغوط السلطة الفلسطينية على التنظيم بجانب العدو، تضاءل نشاط الحركة، وتعرضت عملياتها للتوقف منذ 1998، حتى انطلاق انتفاضة الأقصى في العام 2000، فاستأنفت الحركة نشاطها النضالي من جديد، وتحسنت علاقتها مع السلطة. في التسعينيات، كانت هناك، أيضاً، محاولات مفاوضة لحماس من السلطة الفلسطينية أو من إسرائيل عبر السلطة، لكن سلوك إسرائيل المستمر، في اغتيال النشطاء، وجلب الساسة المتشددين، وتوسيع الاستيطان، قاد إلى مزيد من الإقرار والقبول في وجدان الشعوب لعمق الدور الذي تلعبه حماس في هذا الصراع.

ازدهر نشاط حماس بعد الانتفاضة الثانية، لكنها كانت مرحلة مواجهة صعبة مع العدو الذي اغتال، في منتصف العقد الماضي، عددا من كبار قادتها، الشيخ أحمد ياسين وخليفته عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وغيرهم. ولأول مرة، قبلت حماس بهدنة مع العدو الإسرائيلي عام 2005. وفي هذه الفترة، تحقق لحماس نجاح جديد، تمثل في انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في خريف 2005، وفوز حماس بالانتخابات البلدية والمحلية من العام نفسه، إضافة إلى فوزها المهم في الانتخابات التشريعية أوائل 2006.

أظهرت كتائب عز الدين القسّام، وأخواتها من الفصائل الفلسطينية المسلحة، قدراً من البراعة والإبداع في النضال والمقاومة المسلحة، بشكل فاجأ العدو القريب، قبل غيره، ومن ذلك اعتراض طائرة إسرائيلية بصاروخ أرض جو، واستخدام طائرة من دون طيار، بجانب الأنفاق التي مثلت خطوة استراتيجية مهمة، في المجابهات الأخيرة مع العدو، إضافة إلى العامل الأبرز في إرباك العدو، وهو الصواريخ القسّامية التي بدأت، بشكل متواضع، في العام 2001، ولم تتجاوز مدى أربعة كيلومترات، أنجبت أبناءها من المنظومات الصاروخية. حضرت الصواريخ في مجابهات 2008، ثم العام 2012 حين تم الكشف عن صواريخ بعيدة المدى، وصلت إلى القدس المحتلة، عبر صاروخ "إم 75" الذي وضع نصف سكان إسرائيل في مرمى التهديد. وفي المواجهات الدائرة حالياً، أعلنت مصادر العدو أن إسرائيل كلها أصبحت تحت مرمى التهديد، عبر صواريخ حماس الجديدة التي شاهدناها تصل إلى تل أبيب وبلدات إسرائيلية أخرى، تبعد أكثر من مائة كلم عن غزة.

إن نمو المقاومة، وإيمانها بقضيتها، هو ما جعلنا نلحظ تصاريح هذه الأيام، كنا لنستغربها في أزمان خلت. من ذلك تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن إسرائيل محاصرة بواسطة حماس، إضافة إلى تصريحه، الأسبوع الجاري، أن نتنياهو طلب من واشنطن التوصل إلى هدنة مع حماس!
المجد للمقاومة، ورحم الله الشهداء.

85E9E8E1-EE94-4087-BB96-D28B3C71079C
عبد العزيز الحيص

كاتب سعودي