في معنى التكامل الخليجي

18 يونيو 2017
+ الخط -
مصطلح الأزمة Crisis مشتق من الكلمة اليونانية Krisis، وتعني لحظة القرار (Moment of Decision) وفي التراجيديا الإغريقية القديمة هي مواقف تحتاج إلى صناعة القرار. والأزمات تشكل نقاط تحول تاريخية، حيث تكون الخيارات، والقرارات الإنسانية، قادرةً على إحداث تغييراتٍ أساسيةٍ وجوهريةٍ في المستقبل. والمنطقة العربية من أكثر مناطق العالم اختبارا للأزمات وتعايشا معها.
أفاق الجميع في يوم الخامس من يونيو/ حزيران الجاري، وثمّة ما يحمله هذا التاريخ في الوجدان العربي، على سلسلة إجراءات قامت بها الرياض والمنامة وأبو ظبي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، وكذلك الأجواء أمام حركة الطيران، في إجراء لا يمكن وصفه إلا بأنه إجراء حرب Act of War، من تلك الدول تجاه دولةٍ عضو في مجلس التعاون الخليجي.
يضع هذا الأمر عملية التكامل الخليجي أمام مفترق طرق، لا سيما أن مفهوم التكامل (Integration) يعبر، من الناحية السياسية، عن تقليل العوائق الطبيعية والتقنية والاقتصادية، والتفاعل بشكل أفضل وأكبر بين النظم الاقتصادية، بهدف الانتقال إلى الاندماج الحقيقي وحل المشكلات بالحوار والتفاوض. في هذا السياق، يعني التكامل الخليجي بالضرورة ازدياد الاعتماد المتبادل بين الاقتصاديات الوطنية لدوله، والتعاون والتنسيق فيما بينها، بحيث يقود التكامل الاقتصادي إلى تنسيق وترابط سياسي، يؤسس لقوة إقليمية قادرة على إحداث نوعٍ من التوازن مع القوى الإقليمية والدولية الصاعدة (تركيا، إيران)، ومواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالعالم. خصوصا أن عوامل عدة تجمع دوله أكثر من العوامل التي تحول دون تحقيق نوعٍ من التكامل، هناك تداخل وتشابك مجتمعي في الثقافة والعادات والتقاليد، ونظم الحكم غالبيتها موناركية ملكية، وتشابه في طبيعة النشاط الاقتصادي لدوله التي تعتمد على إنتاج الطاقة وتطوير الصناعات المرتبطة بها، ناهيك عن الوحدة الجغرافية.
لكن، بعيدًا عن الخوض في أسباب الأزمة، لاحظنا أن آلية التعامل معها من معسكر مقاطعي دولة قطر يدلل، بما لا يدع مجالا للشك، على انتكاسة مجلس التعاون الخليجي بعد أكثر من ثلاثين عاما على تأسيسه في مايو/ أيار 1981 في تحقيق الأهداف التي قام من أجلها، والتي وردت في نظامه الأساسي، خصوصا مسألة التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والبحثية والثقافية والتشريعية والمواصلات، مع وضع أنظمة متماثلةٍ فيما يتعلق بهذه المجالات؛ وبما يخدم الوصول إلى تحقيق الوحدة بين دوله.
وهذا بالضرورة يستدعي حل المشكلات والأزمات التي تنشأ بين دوله، بالحوار والتوافق والمرونة والتسوية السياسية، للوصول، على أقل تقدير، إلى أرضيةٍ مشتركةٍ يمكن البناء عليها في الحفاظ على تماسك المجلس، فقد كشفت الأزمة الخليجية غياباً واضحاً للمجلس ومؤسساته، في لعب أي دور في مسار الأزمة منذ اندلاعها، أو حتى الدعوة إلى اجتماع طارئ لأعضائه. الأمر الذي يجعل عملية التكامل الخليجي في عين العاصفة، ويجعل دوله تفكر، جدياً، في جدوى المجلس ومؤسساته، وأنه غير قادر على التخفيف من حدّة الأزمات التي تعصف به. وهذا في المقابل يطرح سؤالا من الدول الأعضاء: ما الضامن أن ما تتعرّض له، العضو المؤسس في المجلس، دولة قطر اليوم قد يتكرّر مع غيرها في المستقبل؟
05C60754-3195-4BA1-8C61-5E78E41A4B63
أحمد قاسم حسين

كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة