"انت مربي ذقنك. يبقى تستحمل اللي هيحصلك"، هذه الجملة قالها نقيب شرطة في محطة مترو الشهداء في القاهرة للصحفي الشاب محمد خالد الذي يعمل في الموقع الإلكتروني الإخباري "يناير"، الذي كان يعمل على قصة خبرية لها علاقة بتوقيف أفراد الأمن للملتحين في محطات مترو الأنفاق.
ويتابع خالد: "القصة بدأت في محطة مترو رمسيس أثناء ذهابي للعمل كالمعتاد يوميا، ولسبب ما رأى أحد العساكر أن مظهري يجب استيقافه وتفتيش حقيبته، فتوجه إلي قائلا: ممكن تفتح الشنطة؟"، واستطرد خالد قائلا "فتحت حقيبتي وأخرجت ما بداخلها من ملابس وجهاز كمبيوتر وشاحن تليفون محمول وبعض الأوراق".
كل هذا أمر طبيعي في مصر حاليا، لكن سريعا بدأ الموضوع يتطور بتدخل نقيب شرطة أثناء تفتيش حقيبتي قائلا: "أعطني الكمبيوتر"، بعد أن لمح ملصقا على الكمبيوتر مكتوب عليه "يسقط حكم العسكر"، كما طلب مني بطريقة حادة مشاهدة بطاقتي، التي أخذها ومعها جهاز الكمبيوتر المحمول واختفى لفترة، ثم عاد ليقول "مش مربي دقنك يبقى تستحمل الي هيحصلك"، ثم توجه بحديثه لشخص آخر قائلا: "شوف حكاية الواد ده يا سعيد باشا"، وأعطاه البطاقة والكمبيوتر".
يصف الصحفي المشهد من حوله قائلا: "سعيد باشا بزيه المدني الذي لا يوضح رتبته، مع ملاحظة أنه شاب، ابتسامته باردة، نظر لي وقال: يسقط حكم العسكر! ليلتك سوداء.. انت تبع إيه بقى؟" فكان ردي: "أنا لا أتبع أحدا وهذا الملصق قديم ويبدوعليه القدم"، فعاد الضابط متسائلا: "ومربي ذقنك ليه؟" فأجبت "عادي".
لم ينته الأمر عند هذه المرحلة بل بدأ الاستجواب، وكان نصه وفق شهادة الصحفي محمد خالد التي نشرها مرصد" صحافيون ضد التعذيب" توضح حالة الترصد والتشكك التي يتعامل بها أفراد الشرطة ليس فقط مع الملتحين وإنما أيضا مع الصحفيين.
وقال الصحفي الشاب في شهادته ردا على سؤال للضابط عما يكتب عن جهاز الشرطة قائلا: "نكتب كل خير، وبالمناسبة نكتب عن ضحايا الشرطة" بينما تهكم الشاب على سؤال الضابط له حول رأيه في وزير الدفاع السيسي وأحوال البلاد، موضحا أنه قرر أن يكذب "إذا أجبت على هذه الأسئلة بصراحة، ممكن يحكم علي بالإعدام، لذا أجبت محتاج البلد تستقر والأوضاع تهدأ وأنتبه لشغلي ومستقبلي".
"عاود سعيد باشا النظر للكمبيوتر، فوجد صورة حمدين صباحي، فقال: "كمان لازق صورة حمدين؟ هل تعرف إن ملصق يسقط حكم العسكر الذي تضعه على الكمبيوتر هذا يمكن أن يدخلك في قضية"، وجد الضابط على الكمبيوتر ملفات لأغاني وأفلام فتأكد أن الشاب ليس إخوانيا، وهنا تحول الاتهام من اتهامه بالانتماء إلى الإخوان الى الاتهام بتأييد حمدين صباحي".
تطورت الأمور سريعا وفق شهادة الصحفي إلى إهانات وشتائم وتعد بالضرب، خاصة بعد وصول لواء شرطة إلى مكتب الأمن في محطة المترو، ليقول لخالد وفق روايته "انت إخوان وكمان مع حمدين؟" فأجاب الشاب: "لست من الإخوان، وملصق حمدين من العام الماضي"، ليرد الضابط الصغير: "ليس تبع الإخوان، لأن هناك ملفات أغاني وأفلام على الكمبيوتر الخاص به".
ثم نصح اللواء خالد قائلا "يا ابني.. اتقي الشبهات، إنت عارف ماذا يحدث مع الإخوان هذه الأيام، والبلد لا تحتمل.. احلق ذقنك وسيبك من سكة يسقط حكم العسكر. البلد أصبح لها رئيس خلاص، بلاش طريق حمدين وشوية العيال اللي حواليه.. السكة دي أخرتها وحشة وهتتأذي.. احلق ذقنك، لأن المرة القادمة قد لا تصادف ضباطا متفهمين مثلنا".
واختتم خالد شهادته بعبارات امتزجت فيها السخرية مع الجد والهزل والحزن في آن واحد قائلا: "الاشتباه لمجرد الذقن! يعني لو جيفارا أو ماركس نزلوا مترو رمسيس سيتم الاشتباه بهم والتحقيق معهم بتهمة تربية الذقن، وإن لم يقابلوا ضباط متفهمين سيكون في انتظارهم التهمة الرسمية، وهي الانضمام لجماعة إرهابية وتعطيل العمل بالدستور وتعطيل المرور والتعدي على شرطة"، مضيفا "أنصح بابا الكنيسة المصرية، تواضروس، وشيخ الأزهر ألا يقتربوا من مترو رمسيس".