لكلِّ قطرٍ عربيّ هندسة معمارية غنية ذات طابع مميز حتى ليمكن وصفها من الناحية الفلسفية والعضوية بأنها من النمط المحلّي لفن المعمار.
وسواء كان ذلك المعمار هندسة بناء متواضعة لأحد المنازل، أو هندسة بناء مزخرفة منمّقة لبعض المساجد، فإن فن المعمار يظلّ اشتقاقاً لكثير من العوامل القسرية المحلية والوطنية، كالمناخ والأبعاد الهيكلية للبناء، وعلم الاجتماع، ومواد البناء .. وهكذا.
إن المنازل وشتى الإنشاءات الأخرى في العالم العربي لهي تعبير صادق عن حقيقة تطورت عضوياً لتحوي جميع ملامح الذوق السليم والابتكار والقيمة العملية.
وسواء كان المعمار نموذجياً لدار في بيروت أو في القاهرة، أو كان نموذجياً لمنزل قديم ذي فناء في الكويت أو في دمشق، أو لمنزل ذي عقود حجرية في تونس أو القدس؛ فإن جميع هذه البيوت تعد روائع للإبداع المحلي والصناعة اليدوية لا يوجد ما يماثلها في المجموعات المكدسة من المنازل الحديثة وأنماط المباني المختلفة التي نمت بسرعة وبشكل غير سليم في أرجاء العالم العربي.
لم يكن الاندفاع الجنوني للبناء في العالم العربي، وخاصة خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة، سوى طمس أو استئصال لشأفة الآثار القديمة ذات الأصول السليمة العظيمة لفن المعمار العربي بكل عضويته وروحه المحلية ومزاياه المرغوبة العملية.
وهكذا تدهور فن المعمار العربي، وفي غفلة منا، لتلك الدرجة التي ينتاب المرء فيها شعور عميق من الخوف عليه حين يحس بأن هذه الحقبة الدينامية من البناء العربي ستكون حقبة يتيمة من الناحية الجمالية، لا شكلية لها ولا عضوية فيها ولا جدوى عملية، خالية من الأوصاف، منقولة في تصاميمها عن الغير.
إن عملية طمس الشخصية العربية في المعمار تكاد تكون عملية جماعية وقد مست تلك العملية أيضاً الزخرفة الداخلية وأثرت على المناظر الطبيعية والطابع المحلي بقسوة بالغة، بطريقة غفلنا عن الشعور بها.
وفضلاً عن كل هذا، فإن أكثر الناس إحساساً بعمليات محو الشخصية العربية في فن المعمار العربي هم من الأوروبيين والأميركيين لا من العرب، وهذا وجه الغرابة في الموضوع! وهناك أيضاً بعض الآسيويين والأفريقيين. حين يمعن هؤلاء نظرهم في الأسلوب القديم تملأ الدهشة قلوبهم، وعندما يقارنون بينه وبين فن المعمار المعاصر الخالي من الأسلوب والشخصية ينتابهم شعور بالأسف على ما يشاهدون.
إن إهمال العرب لكل ما يملكون من هذا التراث الفني الذي ينزع نحو البساطة والجمال والنسب والهندسة والزخرف العربي في سبيل المعمار الذي لا أصالة فيه، المبتذل المنقول من دون أي التزام والمنسوب للناقل، ينذر بإهمال يمكن أن يطاول كل شيء حولنا، أو بمستقبل مظلم يتغلغل ظلامه في كل زاوية؛ في الفنون والآداب والقيم، وحتى في قدرة الإنسان العربي على رؤية مكانه في هذا العالم.
(ترجمة محمد الأسعد)