في صورة البرلمان المغربي

26 سبتمبر 2016

أسئلة تستجد بشأن الدور المفترض لمؤسسة البرلمان المغربي (الأناضول)

+ الخط -
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في المغرب (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، تستجد الأسئلة بشأن المؤسسة التشريعية المغربية، ودورها المفترض في الإسهام في تحديث النظام السياسي، وإعطاء صورة مشرّفة عن العمل العام، وتأكيد الاختيار الديمقراطي الذي صار من الثوابت التي جاءت بها الوثيقة الدستورية الجديدة قبل خمسة أعوام، في سياق الحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة.
في منتصف الثمانينيات، وصف الباحث الفرنسي، آلان كْليس، البرلمان المغربي بـ''الخيالي''، بسبب صبغته التمثيلية غير الواقعية، والتي لم تكن إلا فرجة بالمعنى المسرحي الصرف. وإذا كانت بعض المياه قد جرت تحت جسور السياسة في المغرب منذ تلك الفترة، فإن واقع الحال لا ينبئ أن ثمة متغيرات عميقة في هذا الشأن، فيما يخص أداء هذه المؤسسة وفعاليتها وصورتها لدى الرأي العام. صحيح أن تركيبتها عرفت بعض التحوّل، إلا أنها ظلت تفتقد المصداقية السياسية والأخلاقية لدى فئاتٍ واسعة داخل المجتمع.
في كل الديمقراطيات الحقّة، تضطلع البرلمانات بوظيفتين أساسيتين، التشريع ومراقبة العمل الحكومي. في هذا الصدد، يعكس رصيد المؤسسة التشريعية المغربية لهاتين الوظيفتين الأعطاب المزمنة للحقل الحزبي والسياسي. بالنسبة للتشريع، قد يقول قائل إن من الإجحاف تجاهل الترسانة القانونية المهمة التي صدرت عنها في مختلف المجالات، غير أن جزءاً كبيراً من هذه القوانين، على أهميتها، صدرت بالإجماع، ولم تصدر بتصويت الأغلبية، بسيطةً أم مطلقة، بمعنى أنها لم تكن محصلة طبيعية لصراع حزبي وسياسي ضارٍ يعكس الصراعات والتدافعات الحاصلة في قلب المجتمع. وفيما يخص مراقبة العمل الحكومي، وعلى الرغم من الدور الذي لعبته الأحزاب الوطنية في بعض محطات العمل البرلماني، مثل تقديمها ملتمساً للرقابة في مايو/ أيار 1990، مستثمرةً صعود خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد نهاية الحرب الباردة، وطرحِ القيادي اليساري البارز، محمد بن سعيد آيت يدر، سؤالاً على وزير
العدل بشأن معتقلي تزمامارت بعد ذلك بشهور، على الرغم من ذلك كله، ظل البرلمان، في المجمل، عاجزاً عن مراقبة مؤسسية فاعلة لعمل الحكومات المتعاقبة، لا سيما في القضايا الحيوية والمصيرية، ولم تكن له يوماً سلطة فعلية وحقيقية في تدبيرها ومعالجتها. وإذا كان الدستور الحالي قد أضاف وظيفة ثالثة لهذه المؤسسة، ممثلةً في تقييم السياسات العمومية، إلا أن ذلك لم يغيّر من واقع الحال شيئاً خلال الولاية التشريعية التي شارفت على نهايتها، ولم يبدّد الصورة السلبية التي علقت بها لدى فئات واسعة من الرأي العام المغربي، على الرغم من التحوّل النوعي الذي عرفته أطيافها على الصعيدين، الفكري والإيديولوجي، في الأعوام الأخيرة، مع تزايد عدد مقاعد الإسلاميين، بما لذلك من دلالة. ويكفي أن يُشار، هنا، إلى استمرار ممارسات غير مسؤولـة، من قبيل تغيُّب أعضاء كثيرين من مجلسي النواب والمستشارين عن حضور الجلسات، والإسهام في تطوير العمل البرلماني.
في السياق نفسه، أسهمت السلطة في تكريس هذه الصورة عن البرلمان، إذ كانت، ولا تزال، تنظر إليه باعتباره مؤسسةً لصناعة النخب وتدجينها، أكثر من كونه مؤسسةً لتوسيع المشاركة السياسية، والإسهام في صياغة السياسات العمومية وإعدادها، وتعزيز فرص التحوّل الديمقراطي. حدث ذلك مع جزء من النخب المنتمية للصف الوطني والديمقراطي، ويحدث أيضا الآن مع نخب الإسلام السياسي المعتدل، هذا من دون أن نغفل سعيَ هذه السلطة إلى توظيف الانتخابات البرلمانية في اجتذاب مزيد من موارد الشرعية الخارجية. وفي خضم ذلك كله، كان البرلمان مرآةً تعكس المتغيرات القيمية والثقافية التي اخترقت النسيج المجتمعي على امتداد العقود الماضية، خصوصاً مع إفلاس العقائد السياسية الكبرى، وتراجع الأحزاب الوطنية، فأصبح مدخلاً لتنخيب شرائح اجتماعية أخرى من أعيان جدد، ورجال أعمال، ونخب نسوية، وتكنوقراط، وشرائح من الطبقة الوسطى متطلعةٍ إلى نصيبها من كعكة السياسة، لا سيما مع ما يحصل عليه المنتخبون من حصانةٍ، ونفوذٍ، ووجاهةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، وامتيازات مادية.
نتساءل اليوم، هل ما زال البرلمان المغربي ''خيالياً''؟ هل عرفت بنيته وأداؤه تطوراً نوعياً في ضوء المتغيرات المجتمعية الحاصلة؟ ما الذي تغير في العملية الانتخابيـة، في ضوء كل ما استجد؟ هل ما تزال السلطة قادرةً على هندسة (وبناء) خريطة برلمانية على هواها، كما سبق وأن حدث في ولايات تشريعية كثيرة سابقـة؟
أسئلة كثيرة تحيل، في مجملها، على بعض ما في الحقل السياسي المغربي من توتّر دال بين رغبة هذه السلطة في التحكّم في مفاصل هذا الحقل وتوجيهه، والحفاظ على هامش ديمقراطي، يتسع أو يضيق، حسب المتغيرات الإقليمية والدولية.