في رثاء "3 عقود" من عمر جيل 25 يناير

22 أكتوبر 2015
صار الرقم يشكل خطاً فاصلاً (Getty)
+ الخط -
"ثلاثون عاماً مرت"، يردد الشاب الذي استيقظ من نومه على مطالعة رسائل التهنئة بعيد ميلاده، معظمها عبر فيسبوك، والواتس آب، نادرة هي الرسائل المدفوعة حالياً. هكذا حدث نفسه، ثم مضى غير مبال باليوم الذي سيبدأ فيه عقد جديد من عمره الذي لا يعرف في ما سيفنيه، "كل سنة وإنت طيب"، "سنة سعيدة عليك يا برنس"، "يارب تحقق كل اللي بتتمناه"، يمر سريعا على رسائل التهنئة بعامه الجديد "امبارح كان عمري 20"، كانت آخر تحديثاته قبل أن يقرر إغلاق الحساب لنهاية اليوم.


دخول المرحلة الثلاثينية، لم يعد أمرا اعتياديا، وصار الرقم يشكل خطا فاصلا في حياة كل من مروا به، داعين الله أن يخرجوا منه سالمين، خطا لم يكن مستقيما في أغلب أحواله، قسم حياة الثلاثينيين إلى نصفين، ذكريات وآمال وطموحات، صارت الآن مدعاة للسخرية، وأحيانا للبكاء، وغالبا للدهشة. فجيل صنع ثورة يناير وتفتحت وروده في ميدان التحرير، ما لبثت أوراقه أن ذبلت على ضفاف محمد محمود، وماسبيرو، ورابعة، صار اليوم أغلبه مطارداً أو مهاجراً، أو مسجوناً، وفي أفضل أحواله "ناقماً" على أوضاع ما عاد يرجى لها إصلاح.

"ما بعد الثلاثين"، في حياة الرجل والمرأة، مرحلة تشبه إلى حد كبير ذلك التصنيف الذي قسم العالم إلى مرحلتي "ما قبل الحداثة" وما بعدها، في منتصف العمر، تتغير العديد من المفاهيم، ويشوب الضباب مبادئ ومواقف وأفكاراً لطالما كان الإنسان مقتنعا بها.

اهتمت علوم الطب بالتغيرات النفسية والجسدية للمرأة في عمر الثلاثين، بينما أهملت تلك الأبحاث الرجل الثلاثيني بشكل يتضح جليا على محرك البحث غوغل الذي يسارع إلى إجابتك عن المراحل النفسية للمرأة في الثلاثين، والحب في حياة الثلاثينية، وجاذبية المرأة في منتصف العمر، بينما يأتي الرجل دائما مرتبطا بالمرأة، وهو ما يتضح في الإجابة عن أسئلة من نوع لماذا يفضل الرجل المرأة الثلاثينية؟ كيف تتغير العلاقة الرومانسية بين الرجل و المرأة في عمر الثلاثين؟ كيف يكون الجنس مفتاح السعادة الدائمة بعد بلوغ الثلاثين؟

على مواقع التواصل الاجتماعي كان الأمر مختلفا، فهناك في العالم الافتراضي، يبدو الرجل الثلاثيني أكثر قدرة على إثبات وجوده من المرأة، والتي تضطر إلى التراجع أمام سطوة الرجل وقدرته على التعبير "مفيش حاجات كتير بتتغير في الرجل بعد سن الثلاثين غير أنه بيكون واحد تاني بس"، يتحدث "وائل الجزار" الذي مرت به سنوات الثلاثين ليفاجأ بنفسه من دون أن يدري تحت سكين العام الرابع والثلاثين "أنا اتجوزت وخلفت وسعيد في حياتي بس مش عاوز أكملها"، هكذا ببساطة يعبر الجزار عن أزمته الثلاثينية، مؤكدا أن لو عاد الزمن به ما كان مر بنفس التجارب، وما كانت تلك النهاية هي ما ستنتظره "مش عارف كان إيه ممكن يكون البديل لكن الأكيد إني حاسس إني اتغدر بيا".

متغيرات كثيرة تمر على الرجل أبرزها من حيث الشكل يتلخص في "الكرش"، كظاهرة "كونية"، تخطت حدود الزمان والمكان، فكان كرش الرجل الثلاثيني قادرا على التواجد حيث كان "ليوناردو دي كابريو" أو "ممدوح الفتَان" الشاب القادم من ضواحي منشية ناصر، مزهوا بكرشه الصغير وشاربه المفتول "إحنا كده لا مؤاخذة في التلاتين بس، لسه في عزنا وقادرين نهد جبال".

في الثلاثين تبدلت نظرتي للحياة، و تغيرت أمور كثيرة ما كنت أعتقد يوما أنها ستتغير، صرت أكره ما أحب وأحب ما أكره، وندمت كثيرا على قرارات كنت أظنها أفضل ما اتخذت لكنها في النهاية كانت "غلطة حياتي"، تتحدث "نسمة يحيى" عن تجاوزها عمر الثلاثين والذي لم يمر عليها مرور الكرام، بل خلف لها لقب "مطلقة"، وهو اللقب الذي ستظل تحت مقصلته لسنوات طويلة مقبلة "أعلم أننا في مجتمع يرفض السيدة المطلقة ويلصق بها أبشع الصفات، ولكنني لم أكن لأرضى بحياة لم تكن كالحياة".

رفضت نسمة أن تستمر كزوجة في حياة كانت سببا في شقائها وهي التي لم تكن تتصور أن الأحلام الوردية التي عاشتها في مرحلتها العشرينية ستنهار أمام عينيها حين تتجاوزها إلى الثلاثين "اكتشفت أننا من عالمين مختلفين ومكنش ينفع أكمل".

المآسي الثلاثينية لم تتوقف عند حدود اكتشاف الذات المتأخر ـ أو تنازع الرغبات بين الحياة التي نتمناها وبين أخرى نحيا فيها منذ اخترناها، لكن كذلك هناك مآس فرضتها علينا ظروف الحياة، فهذي "شذى" التي ترملت في عمر الـ32، رحل الزوج في حادث تاركا لها ثلاثة أطفال وحياة مليئة بالمتطفلين: "زوجها مات وبتخرج، توفي زوجها وهي تعمل، 3 أطفال مسؤولية عليكي، لا تخرجي وحدك، لا تصادقي الآنسات، لا تكثري من زيارة المتزوجات"، حالة من الحصار أحاطت بشذى في أعقاب وفاة زوجها، لم تكن لتتخطاها إلا بعد أن أمدتها الثلاثين بتلك القوة، "عند وفاة زوجي شعرت أن الحياة قد توقفت لكن بعد قليل اكتشفت أن حياة جديدة قد بعثت في 3 أطفال علي أن أكون قوية من أجلهم"، العمر الباقي في الثلاثين تهتم "شذى" أن يكون مرتبا وخالصا لأولادها من دون الاهتمام بما يراه الناس "الحلال بيّن والحرام بيّن وما بينهما أنا أعلم به وأعلم كيف أرده".

الطلاق، القرار الصادم في حياة الجميع، لم يستوعب محمود صدمته، إلا بعد أن اكتشف أن حالته الاجتماعية قد تغيرت قبل أن يتم عامه الثلاثين، وأن خطواته البطيئة في عقده الثالث تحمل معها أوزار عقده الثاني "مابقاش مهم سبب الطلاق على قد ما بلوم نفسي اني محاولتش ومقدراش أكمل في المحاولات للنهاية".

يعتقد محمود، أن قرار الطلاق قرار غير صائب، ينهي الحياة بأكملها، وخاصة إذا ما جاء مبكرا جدا كما حالته "صعب أوي إنك بتمر بمرحلة الثلاثين، وإنت خارج من تجربة فاشلة منتهية نهاية مأساوية وكل ما حولك يدعو للاكتئاب"، تراجع في العمل، هجرة للأصدقاء، وحدة شديدة تحيط بمحمود، يحاول دائما إقناع نفسه بأن الخروج من هذه الحالة هي مكمن السعادة "مش هستسلم لحالة الاكتئاب وهفضل اعافر لحد ما أخرج بره دايرته".

"الاهتمام بالصحة العامة والرغبة في الاستمتاع بالحياة والتركيز على العلاقات الاجتماعية المفيدة وتغيير أنماط الحياة هي أهم ما يجب التركيز عليه في عقد الثلاثين، أما الاستسلام لاكتئابها، فسينعكس سلبا على سنوات العمر المقبلة وعلى المهام اليومية". 
تتحدث الدكتورة سوسن فايد، أستاذة الطب النفسي في البحوث الاجتماعية والجنائية، مؤكدة أن مواقع التواصل الاجتماعي وسعت فجوة الإحساس بتلك المرحلة التي كانت في الغالب تمر دونما شعور بها لدى معظم الأجيال "الجيل الحالي متدلعين بزيادة وشايفين إنهم اتظلموا في كل حاجة فبيظلموا نفسهم أكتر في حياتهم الشخصية وشغلهم وحتى محيطهم العام"، تؤكد فايد أن العديد من أصحاب هذا السن هم مرضى نفسيون محتملون "الرياضة والسفر والبعد عن الروتين هي روشتة الخروج من مأزق الثلاثين".

(مصر)