في رثاء "جاحظ عمّان"

07 مارس 2018
نذر المعايطة حياته لحفظ الكتب(عن موقع وزارة الثقافة الأردنية)
+ الخط -
برحيل هشام المعايطة، عرفت آلاف الكتب معنى اليتيم، وهي التي خسرت بموته أباً لا تاجراً، وفقدت يداً نذرت نفسها لنفض غبار النسيان، ونقلها من الرفوف المهملة إلى الأيدي الشغوفة، بعدما تكللت جهوده الطويلة، جزئياً، بإنعاش حركة المطالعة.
بموت "جاحظ عمان"، كما يُلقب صاحب مكتبة خزائن الجاحظ، فَقَدَ وسط البلد أحد آخر أيقوناته، بعدما أمضى عمره يحرث الرصيف ويزرعه ثقافة وفكراً وأدباً، ومكافحاً شرساً لحركة التصحر الثقافي التي كادت تُطبِق على المجال العام. تُقدّم حياته نموذجاً استثنائياً للإنسان المنتمي لقضيته، غير آبه بسلوك الطريق الصعب للوصول إلى تحقيق هدف نبيل توارثه، وأورثه بدوره لمن يواصل الطريق.

أما موته التراجيدي، بحادث سير بعد شهر تقريباً من الحريق الذي التهم 10 آلاف كتاب يملكها على مرأى عينيه وقلبه الذي انفطر حزناً، فإنه فتح الباب أمام محبيه لإضفاء طابع أسطوري على الرحيل الموجع، مشيرين إلى المكانة الكبيرة التي حجزها في قلوبهم. ليس جنوناً أنهم يقولون إن "جاحظ عمان" مات ملتحقاً بكتبه، هم بذلك يصفون بشاعرية علاقة الحب التي تلمّسوها بينه وبين الكتب، ويضيفون سطراً مثيراً في تاريخ المكتبة المثير.

بجسده النحيل، وهندامه البسيط، ولغته التلقائية الخالية من الاستعراض، أمضى "الجاحظ" حياته حارساً لتاريخ مكتبة تختصر تاريخ تحولات الجغرافيا وتقلبات السياسة خلال 120 عاماً، هي عمر المكتبة. ورث هشام المكتبة عن والده الذي نقلها من أسوار القدس إلى جدران عمّان بعد نكبة فلسطين، مصاباً بمرارة الهزيمة وبشظية أثناء مشاركته جندياً في حرب الدفاع عن فلسطين. وتوارثها عن جده الذي أسسها في مدينة الكرك، جنوب الأردن، عام 1893، وتنقّل بها بين بغداد والقدس، يوم كانت الثقافة والمعرفة جواز مرور يفوق في قوته الجواز الدبلوماسي.

موت "جاحظ عمان" موجع، بقدر الوجع الذي اختبرته المكتبة التي طاردتها الحدود، وحرقتها الصعوبات الصهيونية، ومؤلم بالقدر ذاته التي شهدت فيه انحسار الفعل الثقافي، وانتصار الجهل الذي احتل المجال العام خدمة للاستبداد. ستذكرك الكتب يا "جاحظ عمان"، ويفتقدك الرصيف الذي تعلّم على يديك معنى المطالعة، إذا نسيك الجميع.
دلالات
المساهمون