في راهنية المشهد السوري

31 ديسمبر 2016
+ الخط -
بعد أكثر من خمسة أعوام من معاداة الشعب السوري، وقتل نسائه وأطفاله وشيوخه ورجاله، وتدمير مدنه وقراه، والدعم الكامل لنظام الاستبداد دبلوماسياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، تخرج علينا طغمة فلاديمير بوتين الحاكمة في موسكو بلعبةٍ جديدةٍ، وبلبوس الحمل الوديع، وسيط سلام وراعي اتفاقياتٍ، أغلب الظن أنها تمضي في مخطط تصفية الثورة السورية، وتشتيت شمل الثوار والمعارضين وتحقيق ذلك سلماً، بعد عجزها عن تحقيقه حرباً عاماً، وهي، بكل لفها ودورانها، تبحث عن ضمان مصالحها، وتعزيز نفوذها وترويج أسلحتها. ولو كانت هذه الطغمة ذات نية صافية، وترغب في تصحيح مواقفها بهذه السرعة القياسية، لأعلنت اعتذارها للسوريين ولذوي الشهداء، واستعدت لدفع التعويضات عن الخراب والدمار، ولدانت نظام الاستبداد، وطالبت بطرد القوات الإيرانية ومليشيات حزب الله والعراقية، وقبل هذا وذاك سحب قواتها الغازية المحتلة.
تفسيرنا لوقف إطلاق النار (إن تم التنفيذ) هو توقف نظام الاستبداد والعدوين المحتلين، إيران وروسيا، والمليشيات الطائفية، عن قصف السوريين وتقتيلهم وتدميرهم بلادهم، وهو أمر مطلوب بإلحاح. أما التسرّع الروسي بفرض تسويةٍ سياسيةٍ مع فصائل مسلحة، كانت "إرهابية" حتى الأمس القريب بنظر موسكو، وبتزكية وضمانة تركيتين، في معزلٍ عن إرادة السوريين، ومن دون متسعٍ من الوقت لإجراء المراجعة وترتيب البيت الداخلي، وإعادة إنتاج من يعبّر شرعياً عن مطامح الشعب، ومنتخب منه في الأطر المعروفة. وفي استحضار الجانب المصري، وقوى وعناصر قريبة من النظام، ما يثير الارتياب. ويبدو أن طغمة بوتين تستعجل الخطى، مستغلة الوقت الأميركي الضائع، وإخفاق المعارضة السورية، وغياب النظام العربي الرسمي، لتثبت أقدامها في سورية المدمرة التي لن تكون إلا مقبرةً لجميع الغزاة. وعلى الأغلب، فإن الطريقة الروسية هذه لن تحقق السلام في بلادنا.
ما يجري في سورية صراع سياسي بالأساس بين الشعب، بأغلبيته الساحقة، من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديموقراطي في سورية التعدّدية الجديدة من جهة، ونظام الاستبداد المتشبث بالسلطة من الجانب الآخر. أما بعد تطورات أكثر من خمسة أعوام، وظهور عوامل جديدة، وتدخلات مليشياوية مذهبية، واحتلالات عسكرية أجنبية إيرانية وروسية لمصلحة النظام، أدّت إلى اختلالٍ في موازين القوى، وانحسار مجال الفصائل المسلحة المحسوبة على الثورة والمعارضة، فإن من الخطورة بمكان معالجة التراجع الحاصل بالمنطق العسكري، وتحت عنوانٍ مزعوم باسم الجيش الحر، في معزلٍ عن الجانب السياسي، وبغفلةٍ من الحراك الثوري، والكتلة الوطنية المستقلة الغالبة. وبكلمة أوضح الاستمرار بالمنطق السابق بتنفيذ كل فصيل على حدة توجهات النظام الإقليمي الرسمي الداعم الذي أدّى إلى الهزيمة العسكرية. لذلك على كل فصيل يؤمن بالثورة تسليم أمره للقرار السياسي الشرعي في إطار المؤتمر الوطني المنشود الذي يعتزم عقده الوطنيون السوريون، بكل أطيافهم، من مدنيين وعسكريين في الجيش الحر.
بعد هزائمها العسكرية، بمختلف أسمائها وإماراتها ومرجعياتها الشرعية، في معظم المناطق السورية، ومن ضمنها جماعات من صنع "الإخوان المسلمين" الذين أبعدوا نشطاء الجيش الحر، وفرضوا عليه الحصار المالي والسياسي، تعود فصائل "الإسلام السياسي" الآن إلى التغطّي باسم هذا الجيش الذي ما زال يحظى باحترام الوطنيين السوريين، وكأن شيئاً لم يكن، ومن دون أية مراجعة أو مصارحة أمام الشعب السوري الذي لن يأبه أبداً بكل هذه الأضاليل، بل ينتظر اجتماع كل من يؤمن بمواجهة الاستبداد، واستمرارية النضال بكل الأشكال المتاحة، في إطار المؤتمر الوطني الشامل لوضع البرنامج السياسي المتوافق عليه، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لإدارة العمل الكفاحي المشترك.
أمام التزاحم المنقطع النظير في صفوف "البازار" الروسي – التركي – الإيراني للحوار مع نظام الاستبداد الأسدي الذي ما زال في نشوة انتصاره المزعوم في تدمير حلب، وإبادة أهلها، فإن الأحزاب الكردية في المجلسين، وكما كنا نتوقع منذ خمسة أعوام (وبدون أن نظلم أحداً) تتصدّر صفوف التهافت، فجماعات حزب العمال الكردستاني نفذت شروط النظام، حتى بتبديل شعاراته التي ضللت بها الناس أعواماً، لتحظى بشرف المشاركة. أما جماعة المجلس الوطني الكردي فليست ضد الحوار مع النظام من حيث المبدأ، ولم ترفضه، بل تبحث عن ظرفٍ أفضل، يؤهلها لتولي موقع تمثيلي ما، إضافة إلى انتظار مشاركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
08776C8A-E011-4F93-BE93-B178C84C0C0A
صلاح بدر الدين

كاتب وسياسي سوري، رئيس جمعية الصداقة الكردية العربية، غادر العمل الحزبي منذ 2003، وكان قد انتسب مبكراً إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، من مؤلفاته "الأكراد شعبا وقضية"، و"الكرد بين إرهاب الدولة القومية والإسلام السياسي"، "صلاح بدر الدين يتذكر".