في ذكرى الثورة

17 مارس 2014
+ الخط -
تحلّ ذكرى انطلاقة الثورة السورية علينا، في هذه الأيام، وسط أجواء من اليأس، تعيشها قطاعات واسعة، ولا تني تتسع باضطراد بين السوريين الذين دخل اليأس إلى قلوبهم مما يشهده الصراع من تقدم عسكري حثيث وجدّي للنظام، وانقسامات ترزح المعارضة السياسية والعسكرية تحت عبئها القاتل، وهوّة تعجز أطرافها عن ردمها، على الرغم من أنها ليست جديدة، ولعبت منذ بداية الثورة دوراً شديد الخطورة في ما يحدث اليوم من تراجعٍ عام أمام النظام، بفرعيه البعثي والداعشي، يوشك أن يغطي كل نقطة من الأرض السورية.
لم ترق أفكارنا وممارساتنا العملية إلى مستوى الثورة، وما يتطلبه نجاحها من جهة، وخطط النظام وما ابتدعه ضدها بالتعاون مع روسيا وإيران، من جهة أخرى. ولم نضع أولوية القضية الوطنية الجامعة فوق حساباتنا الحزبية والفئوية. ولم تتحد قوانا المدنية والعسكرية في الميدان، أو عند ردنا على ما قام به النظام من أعمال على الأرض، ولم نلتزم، أو نلزم قوانا، بمعايير تمليها وطنية الثورة، وطابعها كثورة من أجل الحرية. ولم تطور تنظيماتنا خططاً وسياسات قادرة على قلب ميزان القوى لصالحنا، وامتصاص الضربات التي توجّه إلينا بنجاح، وبقدر مقبول من الخسائر، ولم نربط أنشطتنا، بحيث تعيد تشكيل الواقع بما يتناسب وثورة حريةٍ على استبداد تبنّى سياسات تهجير وترحيل وقتل واعتقال، طاولت معظم الشعب، واستهدفت تدمير وجوده الجسدي ومقوماته المادية، بالقضاء عليه، أو بدفعه إلى الرحيل عن وطنه، لإخراجه من معادلات القوة، وحرمان الجيش الحر من طاقاته الهائلة والخلاقة.
... ولم... ولم... ولم. واليوم، ونحن نعبر من حقبة ثورة ظافرة، مدنية ومقاومة، إلى عام جديد من القتل والدمار، يفجعنا امتناع بعضنا عن استخلاص دروس الأعوام السابقة وعبرها، والأسباب التي أوصلتنا إلى هنا، ويصيبنا الذهول بسبب خلافٍ يتخذ صورة صراع محتملٍ على تاريخ انطلاقة الثورة، والذي يوشك أَن ينقلب إلى شجار مشحونٍ بالضغائن والدلالات التفتيتية بين السوريين. إذ بينما يريد أهل حوران أن يكون تاريخ انطلاقة الثورة هو الثامن عشر من شهر آذار، يوم تظاهراتهم الدامية الأولى، يطالب أهل مناطق أخرى باعتماد يوم 15 آذار تاريخاً حقيقياً لانطلاقة الثورة. وقد أتت رسائل متنوعة من حوران ودمشق، تحذر من اعتماد تاريخ الجانب الآخر.
يحدث هذا، بينما تتعرض الثورة لهزائم متعاقبة، يضيع معها الكثير مما أنجزته على الأرض، وتوجد علامات استفهام حقيقية حول مستقبلها، وما إذا كانت ستنتصر على الاستبداد وتسقط نظامه البعثي وبديله الداعشي. وهكذا، بدل الاهتمام بإيجاد ردود مجدية على المسألة التي يتوقف عليها وجود الدولة والمجتمع السوريين، مسأَلة وقف الهزائم المتلاحقة التي تنزل بنا، يتصارع بعض السوريين على قضيةٍ تافهة، بينما يغرقون ونغرق معهم في الموت والدمار، وتتلاشى الثورة، وتبدأ حرب كلاميةٌ ضد مَن يتبنّى تاريخ حوران في دمشق وتاريخ دمشق في حوران، في دليلٍ جديدٍ يؤكد، مرة إضافيةً، ما تأكد بعد أشهر من قيام الثورة، وهو أننا لم ندرك بعد حاجتنا إلى وحدةٍ، نتجاوز معها التفاهات التي تدمر حياة شعبنا وتضحياته وأحلامه، وإلى تجاهل كل ما من شأنه إثارة صراع جديد، يضاف إلى صراعاتنا حول تاريخ انطلاقة ثورةٍ لم تعد موجودة، لعبت خلافاتنا دوراً خطيراً في دفنها تحت ركام أخطائنا، واللعب الدولي والإقليمي. والآن: أَيهما أَسبق: دجاجة حوران أم بيضة دمشق؟ هذا هو المهم، أَما أَن العدو اخترق الأسوار وصار داخل المدينة، فيبدو أنه الأمر الوحيد الذي لا يستحق اهتمام مثيري الفتن!

بسم الله الرحمن الرحيم، لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. صدق الله العظيم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.