في حب امرأتين

29 اغسطس 2015
من أحد الاعتصامات في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -
الجو رطب وغائم غالباً. تكاد السماء تبتل قبل أن تغيّر رأيها. يبقى المنظر باهتاً من دون موقف واضح. كأن تسأل إن كنت مؤيداً للتحركات التي تشهدها ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، فتغرق في تحليلات قد تنقذك من إعلان موقف. تحتالُ على قناعات كوّنتها، أو ما زلت عاجزاً عن تكوينها. مثل مطر خفيف يحتالُ على صيف، أو فتاة تعانق والدها قبل أن تحصل على ما تريد، أو امرأة تكشف قليلاً من كتفيها من دون قصد، فيحصل ما تريد.. ربما.
معَ التحرّك أو ضدّه؟ مع المجتمع المدني أو ضده؟ مع الحزب أو ضده؟ تقول إنك "مع ولكن" أو "ضد ولكن". تترك نفسك في ساحتين، لكأنك حائرٌ في حب امرأتين. ثم تُقنع نفسك بأنك أكثرية صامتة. وهذا موقف.

طوال حياتك لم تشارك في أية تظاهرة أو اعتصام. تخيفك الجماهير حتى لتشعر أنك ستسقط مغمى عليك. مشاهدة التلفاز تبدو ألطف. وأنت جالس على الكنبة، ستمعن النظر في الجميع وتحلّل. هذا يهوى الاستعراض وذلك مندسّ. والبقية صغار في دنيا الحراك المطلبي والتظاهرات. بعد قليل يسأل المتظاهرون عنك. تشعر بحرج بسيط لكنك مع جميع الحقوق. ألا يكفي هذا؟

تبدو وكأنك صحوت الآن. الوقت متأخّر بين ليلٍ وفجر. تسأل عن اسمك ومكانك. "أين أنا؟ من أنا؟". يمر وقت قليل قبل أن تتذكر. هكذا أنت. تقعُ دائماً بين الأشياء. تحب الصيف لأنه حيّ والشتاء لأنه يمنحك الدفء. النهار يشعرك بالأمان، وفي الليل تجد نفسك. وحين يمعن الليل في عمقه، ستركض إلى غرفة والديك وتنام بينهما.

لم تمطر بعد. لا دخل للمطر هنا. يبدو أنك تشتاق إليه فقط أو تحاول تغيير الموضوع. لا قضية غير الحراك. واليوم دعوة إلى تظاهرة كبرى. اللبنانيون مطالبون بالمشاركة قبل أن تحتل أكياس النفايات جميع الشوارع، وقد عادت لتتكدس. أم أنك ستشارك على طريقتك وتبدأ بعملية الفرز؟ هذا كيس أزرق وذلك زهري. أنت إذاً تسهّل المهمة على أولئك الذين يعتاشون مما يجدونه في حاويات القمامة.

الإذاعات أيضاً عادت لتتذكر الأغنيات الثورية. "قوم اتحدى الظلم تمرّد كسّر هالصمت اللي فيك"/"قوة محبة يا ثورة شعب بلادي" وغيرها. الأغنيات عينها سمعتها عام 2005 (بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري). في ذلك الوقت، لم تكن تشعر بشيء. نزلت إلى الساحة كمتفرّج وليس كمشارك. كان لديك تحفظات على كل شيء. تتذكر نفسك اليوم في ذلك الوقت، وتفكر أنك كنت صغيراً على المواقف والقضايا الكبرى، علماً بأن المواقف لا تفرّق بين صغير وكبير. وكصغير، لا بد وأنك تعرف أنه ليس هناك اهتمام بالمدارس الرسمية، وقد استدان أهلك لتتعلّم في مدرسة خاصة. أنت كبيرٌ اليوم، لكنك حين كبرت، وقعت في حبّ امرأتين.

اقرأ أيضاً: نساء كاظم
المساهمون