لا نستطيع أن نعزل ذكرى الحريق الذي أشعل الشرارة عن اللحظة، وعما حدث خلال السنوات الأربع الماضية.
وقتها كانت الحادثة بالنسبة للبعض في عالمنا العربي مكررة، رغم مأسويتها، في بلادي هناك من يختار الموت فقط، لأنه لم يستطع زرع فرحة عيد الأضحى بشراء "كبش" لأطفاله، وكنا كثيرا ما نسمع عن عزيز بين أهله أنهى حياته احتجاجا على مشاكله الاقتصادية أو الاجتماعية أو النفسية.
ليست إذن المرة الأولى التي يفضل فيها شخص الموت على العيش في بؤس، أو كما يقول أهل المغرب العربي "ميزيرية"، تعريبا من الفرنسية، لكنها حادثة الانتحار حرقا الأولى التي تدفع تداعياتها، رأس هرم السلطة إلى الهرب من جنته بعد أيام من المطالبة علنا برحيله "ديغاج".
الملفت أنه: كيف لواقعة بائسة أقدم عليها شخص يائس في صمت، أن تعطي درسا بهذه البلاغة في النضج السياسي لأنظمة ديكتاتورية صماء، درساً مفاده أن لا تحايل مع الديمقراطية.
اللحظة بعد مرور أربعة أعوام ربما لا تقول الكثير من الأشياء الملموسة غير ذلك، فسيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، وبشهادة اَهلها، ما زالت مهمشة وغارقة في الفقر و"البطالة المزمنة".
والسياق السياسي الذي تعود فيه الذكرى في بلدان الربيع العربي معقد وملتبس، وأقرب منه في بعض الدول إلى دعوة للخروج للتظاهر من جديد.
فرقت السياسة ما جمعته الثورة، والفقراء والمظلومون الذين صنعوا الربيع هم من حوصر به، بل إن هناك من اختار، أو اختارت، عنه الظروف قادة على نفس شاكلة الساسة الذين أسقطتهم الثورات، أو ربما أسوأ.
والأهم أن الربيع العربي أدخلنا في متاهة تساؤلات حول أوجه الشبه بيننا كشعوب أو نخب، أو سياسيين، وَبَيْن الأنظمة المستبدة التي ثار البعض عليها.
وصار هناك من يبرر للقتل وتعديات الشرطة ويمنح شهادة الضحية حسب الهوية السياسية، ويوزع صكوك الخيانة على نشطاء حقوق الانسان والخصوم السياسيين، ومع العودة للبدايات تنفس التطرّف وسلاح الطائفية الصعداء.
أعرف أنه من القسوة بمكان القول إن بو عزيري أحرق نفسه وأحرقنا معه، الواقع أنه أشعل فينا الحلم ببرنامج أو رؤية أو أفق لحل مشاكلنا، وربما يفضّل دعاة الإيجابية مقولات من شاكلة "إن الفواكه التي لم يستطع بو عزيزي بيعها، أهدانا إياها".
لكني أعرف أيضا أن اللحظة بقوة حقيقتها وحقيقتنا، تشي بأمل في حال انتحار مؤجل، أو بالأحرى في حال انتظار حل مؤجل.