في انتظار الحرب

04 أكتوبر 2014
ورقة الحرب تمنعنا من الحياة (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
يقولون إن حرباً ما باتت على الأبواب. والمقصود بالأبواب هُنا تلك التي تحمينا من تطفّل الآخرين وتحفظ لنا خصوصيّة نستكين إليها من هول الأحداث خلفها. الكتابة عن الحرب ليست إلا تكراراً. الحرب ثابتة. امتدادها مستمرّ عبر التاريخ. ويلاتها ثابتة أيضاً. لكنها باتت تأخذ أشكالاً مختلفة. لا نكتسب الخوف. بل يولد معنا. القلق أيضاً. نستغرب كيف أن مراهقين يعجزون عن النوم من دون تناول المهدئات. لا نفهم سرعة انهيارنا أمام الأحداث. أجسادنا ليست منيعة. هذا خطأ نوهم أنفسنا به استعداداً للمراحل المقبلة. نقويها حتى لا تفلت منا تماماً. لكننا في الوقت عينه، عاجزون عن السيطرة عليها بمفردنا.
أنهكنا انتظار الحرب. شيء ما في داخلنا بات يستجديها. لا نريدُ أن نكون في لائحة الانتظار طوال الوقت. كامرأة يرفض زوجها أن يمنحها الطلاق فتعجز عن استئناف حياتها. نكره أن نعيش على الأطراف. ورقة الحرب تمنعنا من الحياة. قد تكون الحياة في الحرب أسهل من الحياة في انتظار الحرب. الوضوح يجعلنا قادرين على التفكير. يقلّل من الاحتمالات. لا نريدُ أكثر من التخطيط لحياتنا، وليكن ذلك وفقاً لقوانين الحرب والموت. احتمالٌ أيضاً أن يكون الموت المنظّم أفضل من ذلك العشوائي.
القلقُ يأكل أجهزتنا. لا ننام. نظن أنها أفكارنا أو ابداعاتنا. لكنه القلق. نلجأ إلى الأفكار كي نغلبه. فيتكاتفان ضدنا. ولا ننام. وجوهنا ليست سعيدة. تضحك كثيراً. تريد أن تقتنع بالأمر. أن تبتلعه بلا علك. عيوننا أصدق في لحظات كهذه. تفضح ما تُحاول ملامحنا كتمانه. بعضنا يرفض أن يبدو ضعيفاً أمام ضعفاء آخرين.
يريدون أن يكونوا أقوياء دائماً إيماناً منهم بأن الحياة لا تستضيف على أرضها غيرهم. تمنح الضعفاء عدداً من الفرص. فإذا لم يستغلوها ترميهم حتماً. لا يهمّ إن بكوا على أسرّتهم قبل النوم. يهمهم فقط ألا تكتشف الحياة سرّهم هذا.
الحرب والفقر والجوع والكوارث الطبيعية وحتى الانهيارات العاطفية لا تبتلعُ إلا الضعفاء. هذا قانون الكوكب. قال طبيبٌ إن مصير الناس المرهفين العذاب على الأرض. هشاشةُ مشاعرهم ليست جمالاً بقدر ما هي نقمة عليهم. بالكاد تتصدّق السعادة عليهم. كأنهما لا ينسجمان. لا تلتقي أقمارهما. بسيطةٌ هي الأشياء التي يبحثون عنها. لا يريدون أكثر من التنزه على شاطئ نظيف، لا مكان في سمائه إلا للعصافير. يؤمن هؤلاء ببلاد "أليس" العجائبية التي قد تكون تخطت مجتمع أفلاطون. يؤمنون أن الحب هو السبيل إلى الخير. لكن القوة والحب لا يجتمعان. والصمود أمام حروبنا يعني قتل "أليس". قتلَ شرقنا ما بقي من حب.




المساهمون