16 فبراير 2021
في الموجة الثانية للربيع العربي
كانت الموجة الأولى من الاحتجاجات التي أسقطت جزءاً من النظام الرسمي العربي القديم، وعصفت في الجزء الآخر، مطلع العام 2011، محمولةً على هموم اقتصادية ومعيشية، يعاني منها ملايين الشبان العرب، بعد فشل تلك الأنظمة في توفير التنمية أو الحياة الكريمة، وبقيت تحكم شعوبها بقبضة من حديد. وكان ضعف العامل الذاتي وغياب القوى السياسية الفاعلة التي توفر البديل الثوري للنظام القديم من أهم الأسباب التي وضعت تلك الثورات بين قوتين تنتميان موضوعيا لقوى الوضع الراهن، وإن اختلف موقع كل منهما، وهي قوى النظام القديم (البيروقراط) وقوى الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون)، وهو ما أدّى إلى نشوء حالة من التطاحن الداخلي بين تلك القوى التي تستند إلى مراكز إقليمية وازنة، كانت العربية السعودية تمثل عنوان حماية النظام الرسمي العربي وإعادة إنتاجه، بينما كانت تركيا تقف إلى صف القوى الإسلامية التي كانت تتنسم توجهاتٍ غربية، بوصفها البديل الموضوعي للبنية التي تنهار.
كانت سورية عنوان التلاقي والتصادم بين تلك القوى، والتي تحولت إلى مستنقع من الدماء، حيث كان كل من مسار الإسلام السياسي وقوى النظام الرسمي العربي تتصارع مع النظام السوري، وتتصارع فيما بينها، بينما كان الحضور الإيراني بارزا بشكل واضح في الساحة السورية.
مع مضي نحو عقد على موجة الربيع العربي الأولى، تطل موجة ثانية، في الجزائر والسودان ولبنان، بينما تشهد ساحات عربية حالة من الغليان في انتظار لحظة الانفجار الكبير، بينما يمكن اعتبار الانتخابات التونسية نموذجا جديدا من الثورات الداخلية عبر صناديق الانتخاب، أدت إلى شطب القوى التي تمكنت من استثمار سقوط النظام، لتجد لها موقعا في النظام الجديد، وإن كانت، في جوهرها، امتدادا للقديم، وجزءا من ثقافته وتجربته وأحد تجلياته.
تأتي موجة الربيع العربي اليوم في ظل تنامي معدّلات الفقر والبطالة، وتفشّي الفساد وغياب
العدالة وضعف الحاكمية وسلطة القانون، وفي ظل حالةٍ من التشبيك غير المسبوقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي إن كانت حاضرةً بقوة في عام 2011، إلا أنها اليوم أصبحت أكثر انتشارا وتأثيرا، خصوصا مع تراجع وسائل الإعلام التقليدية وانهيارها بفعل هيمنة الأنظمة عليها، وعلى محتوى ما تنشره.
ولعل ما يميز موجة الربيع العربي الثانية ضعف القوى التقليدية التي كانت في 2011 تمتلك إمكانية توظيف هذه الهبّات أو الثورات من أجل تحسين موقعها في الحكم أو إعادة صياغة الحكم عبر المجيء بها، على الرغم من أن برامجها الشعاراتية والديماغوجية لم تعالج المسائل التي كانت السبب العميق في التحرّكات تلك.
يُضاف إلى تراجع القوى الداخلية أيضا تداعي الأطراف الإقليمية المؤثرة، ففي 2011 كانت العربية السعودية تمتلك القوة الاقتصادية والسياسية، من أجل التأثر في مجريات الأحداث، إلا أنها اليوم تغرق في جملة متطلبات داخلية تتراوح ما بين مستقبل العرش، والوضع الاقتصادي المعقد داخليا، وأزمات الحروب في اليوم وسورية والحضور الإيراني في المنطقة.
أما ثاني اللاعبين الإقليميين المستند إلى قاعدة عريضة من الإسلام السياسي، فيمكن القول إن الصراع الذي نشب بين بقايا النظام القديم و"الإخوان" أنهكهما، وهو ما ارتدّ على تركيا بوصفها النموذج الأبرز لنجاح الإسلام السياسي، حيث كانت الانتخابات التشريعية في يونيو/ حزيران 2018، والانتخابات المحلية في مارس/ آذار 2019، دليلا على تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى الانشقاقات داخل الحزب والأزمة الاقتصادية الخانقة، ومسائل الأزمة السورية وتبعاتها من ملف الأكراد والتنظيمات الإرهابية، وهو ما سيحول دون تمكّن تركيا من خوض مغامرة جديدة في دعم أو تبني أي خيار ثوري بنكهة إسلامية في الأيام المقبلة.
وتعرضت أعقد اللاعبين، إيران، طوال الأزمة السورية، إلى ضغط اقتصادي ودولي، أدى إلى انتزاعها اتفاقا بشأن برنامجها النووي، وهو ما تخلى عنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولعل الضغوط الممارسة على الاقتصاد الإيراني ساهمت في تبلور شكل ما من التسوية بين الإيرانيين والأميركان، سيكون النفوذ الإيراني في المنطقة، وخصوصا سورية ولبنان وحركتي الجهاد الإسلامي وحماس والحوثيين، أحد أبز الأوراق التي على إيران أن تقدم تنازلات واضحة فيها، إضافة إلى تنامي مزاج شيعي عربي في جنوب العراق، يوكد على عراقية العراق وعراقية المرجعية الشيعية.
وقد شكل التفاهم الروسي الأميركي خلال الأزمة السورية، وكذلك التفاهم بشأن ملف إيران
النووي، ومستقبل سورية من خلال اللجنة الدستورية، عنوانا للتفاهمات الدولية التي تعتبر أساسا لصياغة مستقبل المنطقة ومستقبل اللاعبين الإقليميين فيها.
لعل الانتفاضة في لبنان اليوم الذي يعد أعقد وأقدم الساحات التي تقيم توازنا هشا بين اللاعبين الدوليين والإقليميين ما بعد اتفاق الطائف تكشف عن أن التفاهات الدولية وإنهاك الأطراف الإقليمية ساهم في فتح ثغرة في الصيغة الهشّة لبنانيا، والتي كانت نتيجة تفاهم سوري سعودي قبل نحو ثلاثة عقود، غير أن التحولات التي عصفت في المنطقة ستؤدي حتما إلى صياغة لبنان جديد، ربما يكون للبنانيين دور بارز فيه.
إذا كانت الهزّة التي عصفت بالعالم العربي 2011 أدّت إلى قلب أنظمة وهز أخرى، إلا أنها عمليا أسّست حالة وعي وفهم لدى أجيال من الشباب العربي، تحلم بالعيش الكريم والديمقراطية، وهو جيلٌ سيأتي على ما تبقى من النظام الرسمي العربي القديم، بكل ما فيه من قوى أيدولوجية ورسمية، ساهمت جميعها في هذا الخراب العربي الكبير.
مع مضي نحو عقد على موجة الربيع العربي الأولى، تطل موجة ثانية، في الجزائر والسودان ولبنان، بينما تشهد ساحات عربية حالة من الغليان في انتظار لحظة الانفجار الكبير، بينما يمكن اعتبار الانتخابات التونسية نموذجا جديدا من الثورات الداخلية عبر صناديق الانتخاب، أدت إلى شطب القوى التي تمكنت من استثمار سقوط النظام، لتجد لها موقعا في النظام الجديد، وإن كانت، في جوهرها، امتدادا للقديم، وجزءا من ثقافته وتجربته وأحد تجلياته.
تأتي موجة الربيع العربي اليوم في ظل تنامي معدّلات الفقر والبطالة، وتفشّي الفساد وغياب
ولعل ما يميز موجة الربيع العربي الثانية ضعف القوى التقليدية التي كانت في 2011 تمتلك إمكانية توظيف هذه الهبّات أو الثورات من أجل تحسين موقعها في الحكم أو إعادة صياغة الحكم عبر المجيء بها، على الرغم من أن برامجها الشعاراتية والديماغوجية لم تعالج المسائل التي كانت السبب العميق في التحرّكات تلك.
يُضاف إلى تراجع القوى الداخلية أيضا تداعي الأطراف الإقليمية المؤثرة، ففي 2011 كانت العربية السعودية تمتلك القوة الاقتصادية والسياسية، من أجل التأثر في مجريات الأحداث، إلا أنها اليوم تغرق في جملة متطلبات داخلية تتراوح ما بين مستقبل العرش، والوضع الاقتصادي المعقد داخليا، وأزمات الحروب في اليوم وسورية والحضور الإيراني في المنطقة.
أما ثاني اللاعبين الإقليميين المستند إلى قاعدة عريضة من الإسلام السياسي، فيمكن القول إن الصراع الذي نشب بين بقايا النظام القديم و"الإخوان" أنهكهما، وهو ما ارتدّ على تركيا بوصفها النموذج الأبرز لنجاح الإسلام السياسي، حيث كانت الانتخابات التشريعية في يونيو/ حزيران 2018، والانتخابات المحلية في مارس/ آذار 2019، دليلا على تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى الانشقاقات داخل الحزب والأزمة الاقتصادية الخانقة، ومسائل الأزمة السورية وتبعاتها من ملف الأكراد والتنظيمات الإرهابية، وهو ما سيحول دون تمكّن تركيا من خوض مغامرة جديدة في دعم أو تبني أي خيار ثوري بنكهة إسلامية في الأيام المقبلة.
وتعرضت أعقد اللاعبين، إيران، طوال الأزمة السورية، إلى ضغط اقتصادي ودولي، أدى إلى انتزاعها اتفاقا بشأن برنامجها النووي، وهو ما تخلى عنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولعل الضغوط الممارسة على الاقتصاد الإيراني ساهمت في تبلور شكل ما من التسوية بين الإيرانيين والأميركان، سيكون النفوذ الإيراني في المنطقة، وخصوصا سورية ولبنان وحركتي الجهاد الإسلامي وحماس والحوثيين، أحد أبز الأوراق التي على إيران أن تقدم تنازلات واضحة فيها، إضافة إلى تنامي مزاج شيعي عربي في جنوب العراق، يوكد على عراقية العراق وعراقية المرجعية الشيعية.
وقد شكل التفاهم الروسي الأميركي خلال الأزمة السورية، وكذلك التفاهم بشأن ملف إيران
لعل الانتفاضة في لبنان اليوم الذي يعد أعقد وأقدم الساحات التي تقيم توازنا هشا بين اللاعبين الدوليين والإقليميين ما بعد اتفاق الطائف تكشف عن أن التفاهات الدولية وإنهاك الأطراف الإقليمية ساهم في فتح ثغرة في الصيغة الهشّة لبنانيا، والتي كانت نتيجة تفاهم سوري سعودي قبل نحو ثلاثة عقود، غير أن التحولات التي عصفت في المنطقة ستؤدي حتما إلى صياغة لبنان جديد، ربما يكون للبنانيين دور بارز فيه.
إذا كانت الهزّة التي عصفت بالعالم العربي 2011 أدّت إلى قلب أنظمة وهز أخرى، إلا أنها عمليا أسّست حالة وعي وفهم لدى أجيال من الشباب العربي، تحلم بالعيش الكريم والديمقراطية، وهو جيلٌ سيأتي على ما تبقى من النظام الرسمي العربي القديم، بكل ما فيه من قوى أيدولوجية ورسمية، ساهمت جميعها في هذا الخراب العربي الكبير.
مقالات أخرى
30 أكتوبر 2020
31 اغسطس 2020
13 اغسطس 2020