لا يسعى آلان غريش، فقط، إلى استعادة عقلانية أوروبا وتنويرها كما يفعل قلّة من المثقّفين الفرنسيين - مثل أونفراي وبونيفاس-، إنما يتجاوز ذلك بفهمه للجغرافيا السياسية والثقافية للعرب والمسلمين، استناداً إلى معرفته بالعربية وتراثها، وإلى هواه المصري بحكْم تنشئته المختلطة.
يدافع بشراسة غير معهودة ضد الهيمنة الغربية، في لحظة تاريخية مركّبة؛ إذ يفنّد مقولات صامويل هنتغتون وبرنار لويس التي تتبّنى حتمية الصراع بين الشرق والغرب على أسس ثقافية، وهو ينزع عن خطابهما أغلوطة كبرى تعتبر الحضارة الغربية قائمة على العقل، وأن الحضارات الشرقية، وفي مقدمتها الإسلامية، قائمة على الخرافة والغيب.
يحاول غريش تثبيت معركة الثقافة بأدوات سياسية تبرز ضرورة انفكاك العالم العربي والإسلامي من التبعية إلى المراكز الغربية، وهو يُعلي من مشاريع المواجهة حتى إن كانت إسلامية الطابع، وهو الذي دافع مراراً عن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، لأنه اعتقد أن فعلهما على الأرض يكشف أيضاً زيف السياسات الأميركية والغربية وازدواجيتها.
ربما لم ُيبرز الصحافي والكاتب الفرنسي التحرّر الوطني بناء على استقلالية الأطراف عن المركز اقتصادياً كأولوية، وقدّم عليها الخلاص السياسي والثقافي من هيمنة الغرب، على أن هذا لا ينفى أنه أصاب أفكار المؤسّسة في بلاده ويمينها المتطرّف في مقتل.