في اللحظة الأخيرة

27 يونيو 2015
نُخرج حياةً لم نعد نذكرها من تلك العليّة (Getty)
+ الخط -

لم تعد الصور مجرّد ذخيرة عن أنفسنا نعدّها للمستقبل. حتى اليوم، تحتفظ أمهاتنا بألبومات الصور الملوّنة. كثيرةٌ هي. لكلّ طفل مجموعته. هذه أشهره الأولى حين كانَ يحبو على الأرض. وهذه دعاسته الأولى، وعيد ميلاده الأول والثاني والثالث. وتتوالَى اللحظات في ألبومات لم تكن تتسع لكثير من الصور. بين الحين والآخر، نُخرج حياةً لم نعد نذكرها من تلك العليّة التي نحتفظ بها فيها. كأننا فوق نعتّق ماضينا. نظنّه دائماً أجمل. وننسى أننا في ذلك الماضي، لم نكن سعداء دائماً. مع الوقت، نتصالح مع آلامنا الماضية ونتفرّغ لتلك الجديدة أو الطازجة، التي يكون طعمها لاذعاً.

في كلّ سنة، نشتاقُ إلى أنفسنا في السنة التي قبلها، أو ربما نفتقد أحلامنا التي سقطت منّا بين الأيام. نكبرُ ونسأل عمّا حقّقناه ونقول إن العمر غفلة، وكأنّنا نبرّر ما أضعناه. والصور تذكرنا بأشياء كثيرة. هنا كانت وجوهنا نضرة. المرآةُ أكثر قساوة. تقول لنا ما نهرب منه طوال الوقت. كلّما كبرنا عدنا إلى صورنا لنذكّر أنفسنا بما كنا عليه، ونستمدّ منها بعضاً من القوة. نملك صورتان: واحدة نحفظها في الألبوم، والثانية نراها في المرآة. الأخيرة كثيراً ما تكون مرهقة فنهرب إلى الأولى، تلك التي تملك قدرة على كذبٍ نحتاج إليه لنستمر.

اليوم لا نُخبّئ صورنا. نملك المئات منها. لا لحظة مميزة بل لحظات قبل أن تعود المرآة لتكشف ما هو "مستور". لم نعد نلتقط الصور من أجل ملء المستقبل بالذكريات. صورنا باتت لزوم الحاضر. على "فيسبوك"، نتبدّل يوماً بعد يوم. على تلك الجدران، قليلاً ما نكبر. هذا مكاننا لنظهر كما نريد. وفي كل صورة نتشاركها، نبحث عن سيلٍ من المعجبين لعلّنا نعوّضٌ ماضٍ كانت الوجوه فيه أقلّ. ونعدّ المعجبين ونفتقد الصامتين.

أحياناً، تعيدُ الصور ترتيب حياتنا وتذكّرنا بما كنا قد نسيناه أو تناسيناه. وفي الحاضر، تدعمنا. نحتاج إلى "إعجاب" والكثير منه أحياناً. نرغب أيضاً في خلقِ حياة مرادفة. لا يعني أننا نكذب، بل ربما نتجمّل. ففي داخلنا أكثر من حياة وأكثر من شخص. ولكلّ شخصية مكانها. صحيحٌ أن الحياة تتسع لهم جميعاً، لكنها لا تنصفهم دائماً. صورنا المحفوظة في "فيسبوك" ستبقى للذاكرة، لكن احتياجنا لها في حاضرنا أكبر. لن نحزن إن رافقتنا إلى أيامنا الأخيرة، تلك التي قد نستقر فيها على شخصية واحدة. حينها، قد نخرج الألبوم من العليّة، ونستذكر لحظة وقصة وماضياً أجمل. ماضٍ نظن أنه الأجمل وننسى أننا لم نكن سعداء فيه دائماً. ربما تكون الصورة أوضح في لحظتنا الأخيرة.

اقرأ أيضاً: قهوةٌ قبل الأوان
المساهمون