في العنف العربي وتبعاته

20 مايو 2018
خلال إحدى جلسات البرلمان (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
تختلف حاجات وظروف المجتمعات العربية، منها من يَعبُر قريباً إلى الحالة الديمقراطية ويبني طريقاً جديداً ويؤسس لحالة مختلفة، ومنها من يرزح تحت وهن الجبروت وسطوة الحكام والمليشيات، لكنها برغم ذلك تشهد كلُّها حالات من العنف والتشنج الكبير، بفروق في النوع ومواصفات مختلفة، ولكنه يبقى عنفاً في كل الحالات.
ولعل ما يُحسب للتونسيين أنهم استبدلوا عنف السلاح بعنف الكلمات، ولكنهم لم يتنازلوا عن منسوب العنف الذي يرتفع شيئاً فشيئاً مع الأيام، وتبيّن كل الدراسات التي أجريت أخيراً أن رجال السياسة متسببون في ارتفاع حالة الضغط على المواطنين، وتحولت الظاهرة إلى تهديد حقيقي بالسقوط في المرحلة الموالية للعنف الاجتماعي، أي حالة الفوضى.
وتحوّلت كل الفضاءات تقريباً إلى ساحة نزال سياسي وتبادل للعنف اللفظي والمادي، وأصبحت الملاعب الرياضية، المتنفّس الشعبي الأول، مسرحاً لتبادل العنف وتكريس انتماءات جهوية خلْنا أننا تجاوزناها منذ عقود ولكنها عادت لتطل برأسها وتتهدد النسيج الاجتماعي التونسي، وهو ألعن أنواع العنف وأشرسه وأكثره تهديداً لوحدة الأوطان والشعوب.
وأصبح التونسيون يتبادلون الشتائم والسباب في كل موضع، ويختلفون على كل شيء، حتى على مسلسل أو مسرحية أو حتى مجرد كاميرا خفية، وحول إغلاق المقاهي من عدمه وغيرها…
ولا يبدو أن رجال السياسة ونساءها في تونس مكترثون لهذا الخطر، ومتنازلون عن صراعاتهم القديمة وتمترسهم خلف عقائدهم المقدسة ومعسكراتهم المحصنة، ولا يبدو كذلك أن انصراف الناس عنهم وعن أفكارهم، مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة وما قبلها، سيغيّر في مفهومهم للعمل السياسي. ولعل إطالة السجالات والمشاورات والخلافات بشأن كل صغيرة وكبيرة زادت من ضجر الناس ومللهم وبدأت في تغيير نظرتهم إلى النخبة السياسية، وهو تهديد جديّ للحياة الديمقراطية التي تتطلب طبقة سياسية ناضجة وشعبا مهتماً، ولكن يبدو أننا بصدد البحث عن الاثنين معاً.
رحم الله المناضلة ميّة الجريبي، كانت لاذعة وقوية وصبورة وديمقراطية حقيقة، لكنها لم تكن أبداً عنيفة ولا فظّة.

دلالات