23 ابريل 2017
في العلاقات الباكستانية السعودية
أثار حدث ضم باكستان إلى التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية ضد الإرهاب اهتماماً كبيراً في باكستان. وقد شعر البرلمان بالأسف، لأن البلاد لم تشارك في العمليات العسكرية الدولية ضد مليشيات الحوثيين المدعومة من الخارج في اليمن، فيما المعلوم أن إسلام أباد ترفض الانقلاب العسكري ضد الحكومة الشرعية في صنعاء، وتقف إلى جانب السعودية ودول إسلامية أخرى في حربها ضد المليشيات المسلحة في اليمن.
وبالنسبة للتحالف الذي يضم 34 دولة، لم تطلب الرياض بعد من إسلام أباد أي دعم عسكري، لكن الأخيرة تَعمَل، فيما يبدو، على تطوير تحالفٍ على المنوال نفسه ضد المتطرفين والإرهابيين. أما واشنطن وحلفاؤها في الغرب فيضغطون على المملكة، من أجل التعامل مع التهديد، في حد ذاته، بدل الاتجاه في منحى مدّ يد المساعدة لها. وقد أكدّت باكستان والمملكة العربية السعودية دائماً على أن تهديد سيادة أي منهما يعتبر خطراً على سيادة الدولة الأخرى.
تناهز قيمة الحوالات المالية التي يتم إرسالها إلى باكستان من اليد العاملة الباكستانية في السعودية أربعة بلايين، حيث تمثل المملكة أكبر سوق لليد العاملة الباكستانية في العالم، بينما يصل عدد التأشيرات التي تصدرها سفارة السعودية في إسلام أباد كل شهر إلى ثلاثين ألفاً. وعلى عكس ما يظهر في مقالات صحافية باكستانية، وفي حملات إعلامية في الهند وإيران، فإن العلاقات التي تربط إسلام أباد والرياض لم تبدأ بعد غزو الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ولم تكن قطّ ردّ فعل مستعجل على الثورة الإيرانية.
هناك أيضاً خرافة بشأن العلاقات الثنائية بين البلدين تقول، إن الشريك الأغنى والأكبر هو من يملي شروط هذه العلاقات، إلا أنه تاريخياً، كانت الزيارة الأولى، أول زيارة ضمن هذه العلاقات لولي العهد، في حينه، سعود بن عبد العزيز، إلى مومباي وكراتشي، وذلك في أبريل/نيسان سنة 1940، بحيث استُقبل بحفاوة من قادة اتحاد المسلمين، كأبو الحسن أصفهاني، وكريم باي إبراهيم. ورافقه حينها وفد كبير يضم إخوته الأمراء الخمسة، فيصل، وسعد، وفهد، ومنصور، وعبدالله. وعندما عانت البنغال من مجاعة قاتلة سنة 1943، استجاب السعوديون لنداء محمد علي جناح لمدّ يد العون. وقد أرسل الملك عبد العزيز أول المساعدات الخارجية بقيمة مائة ألف جنيه استرليني.
وفي سنة 1946، أرسل جناح مجموعة حركة باكستان، بقيادة ميرزا أبو الحسن الأصفهاني، وكان فيها بيغوم جهانارا شاه نواز إلى الأمم المتحدة. وفي حين كان فريق الكونغرس يعرقل التزامات وفد المجموعة المسلمة، هرع الأمير فيصل بن عبد العزيز، والذي كان يقود الوفد السعودي، من أجل مساعدتهم. ودعت المملكة أصفهاني وزملاءه إلى استقبال رسمي على شرف جميع وفود الأمم المتحدة الأخرى، ثم قدم الأمير فيصل وفد حركة باكستان إلى المندوبين الآخرين، حيث شرحوا النضال من أجل إحداث وطن مستقل "باكستان". وعلى إثرها، هاجر التجار العرب المقيمون في مومباي وكلكوتا إلى باكستان بعد قيامها، واستقروا في كراتشي التي تعدّ المركز المالي والتجاري لباكستان.
وفي عام 1954، زار الملك سعود العاصمة الباكستانية (السابقة) كراتشي، وعلى إثرها سمّت الحكومة أحد شوارعها وقاعدة جوية باسم الملك فيصل، بينما سميت بلدة سعود أباد، بعد أن وضع حجر الأساس لمشروع الإسكان. وتمت تسمية المدينة المركزية البنجابية باسم فيصل أباد أيضاً. ويعدّ هذا بمثابة نجاح كبير للدبلوماسية الرسمية والعامة للمملكة العربية السعودية في دولة مسلمة غير ناطقة بالعربية. وبعد ثلاث سنوات على حرب 1965 مع الهند، زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران اللاحق، باكستان، بهدف إضفاء الطابع الرسمي على بروتوكول التعاون الدفاعي بين البلدين. كما أن القيادة السعودية استجابت، في سبعينيات القرن الماضي، لطلب ذو الفقار علي بوتو للحصول على المساعدة المالية اللازمة، بغية الرد على الطموحات النووية للهند، بعد اختبار بوخران الأول. عندها نقلت الصحافة عن مسؤول لم يُذكر اسمه أن بوتو كان قادراً على التماس خمسمائة مليون (نحو مليارين ونصف المليار بالقيمة الحالية للدولار) من الأصدقاء العرب. وكانت ليبيا الداعم الرئيسي الثاني لقدرة الردع الباكستانية، بعد العربية السعودية. وفي سنة 1982، وقعت باكستان والسعودية على بروتوكول عسكري آخر، تساند بموجبه قوات باكستانية المملكة عند الحاجة. ومثل معظم اتفاقيات الدفاع (بما في ذلك التي وُقّعت بين الهند وإيران في عام 2002)، فإن حيثيات الاتفاقات العسكرية بين إسلام أباد والرياض تمت تحت حراسة مشددة. وبعد فرض العقوبات الغربية التي أعقبت التجارب النووية سنة 1998، قدمت المملكة 50.000 برميل من النفط يومياً على مدى سنة، وهو ما يقارب سدس إجمالي واردات النفط الباكستانية، على الدفع المؤجل. ولاحقاً، وسمى السعوديون هذا الدفع المتميز هدية في أوقات الحاجة.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن العلاقة بين باكستان والعرب في أي يوم ذات اتجاه وحيد. فلطالما وقفت باكستان إلى جانب القضايا العربية في زمني الحرب والسلام. وقد رفضت الرياض اقتراح رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، إبرام اتفاق دفاع مشترك في زيارته، أخيراً، المملكة. كما أن الزيارة التي قام بها، أخيراً، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إسلام أباد، قد أظهرت تفهم الرياض المانع الباكستاني الذي يحول دون إرسال قوات إلى بلد مسلم آخر. وعلى ما سبق، لا يمكن لإسلام أباد تحمّل خسارة حلفاء اجتازوا اختبار الزمن الاستراتيجي، والذين هم بالفعل ليسوا كثيرين.
وبالنسبة للتحالف الذي يضم 34 دولة، لم تطلب الرياض بعد من إسلام أباد أي دعم عسكري، لكن الأخيرة تَعمَل، فيما يبدو، على تطوير تحالفٍ على المنوال نفسه ضد المتطرفين والإرهابيين. أما واشنطن وحلفاؤها في الغرب فيضغطون على المملكة، من أجل التعامل مع التهديد، في حد ذاته، بدل الاتجاه في منحى مدّ يد المساعدة لها. وقد أكدّت باكستان والمملكة العربية السعودية دائماً على أن تهديد سيادة أي منهما يعتبر خطراً على سيادة الدولة الأخرى.
تناهز قيمة الحوالات المالية التي يتم إرسالها إلى باكستان من اليد العاملة الباكستانية في السعودية أربعة بلايين، حيث تمثل المملكة أكبر سوق لليد العاملة الباكستانية في العالم، بينما يصل عدد التأشيرات التي تصدرها سفارة السعودية في إسلام أباد كل شهر إلى ثلاثين ألفاً. وعلى عكس ما يظهر في مقالات صحافية باكستانية، وفي حملات إعلامية في الهند وإيران، فإن العلاقات التي تربط إسلام أباد والرياض لم تبدأ بعد غزو الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ولم تكن قطّ ردّ فعل مستعجل على الثورة الإيرانية.
هناك أيضاً خرافة بشأن العلاقات الثنائية بين البلدين تقول، إن الشريك الأغنى والأكبر هو من يملي شروط هذه العلاقات، إلا أنه تاريخياً، كانت الزيارة الأولى، أول زيارة ضمن هذه العلاقات لولي العهد، في حينه، سعود بن عبد العزيز، إلى مومباي وكراتشي، وذلك في أبريل/نيسان سنة 1940، بحيث استُقبل بحفاوة من قادة اتحاد المسلمين، كأبو الحسن أصفهاني، وكريم باي إبراهيم. ورافقه حينها وفد كبير يضم إخوته الأمراء الخمسة، فيصل، وسعد، وفهد، ومنصور، وعبدالله. وعندما عانت البنغال من مجاعة قاتلة سنة 1943، استجاب السعوديون لنداء محمد علي جناح لمدّ يد العون. وقد أرسل الملك عبد العزيز أول المساعدات الخارجية بقيمة مائة ألف جنيه استرليني.
وفي سنة 1946، أرسل جناح مجموعة حركة باكستان، بقيادة ميرزا أبو الحسن الأصفهاني، وكان فيها بيغوم جهانارا شاه نواز إلى الأمم المتحدة. وفي حين كان فريق الكونغرس يعرقل التزامات وفد المجموعة المسلمة، هرع الأمير فيصل بن عبد العزيز، والذي كان يقود الوفد السعودي، من أجل مساعدتهم. ودعت المملكة أصفهاني وزملاءه إلى استقبال رسمي على شرف جميع وفود الأمم المتحدة الأخرى، ثم قدم الأمير فيصل وفد حركة باكستان إلى المندوبين الآخرين، حيث شرحوا النضال من أجل إحداث وطن مستقل "باكستان". وعلى إثرها، هاجر التجار العرب المقيمون في مومباي وكلكوتا إلى باكستان بعد قيامها، واستقروا في كراتشي التي تعدّ المركز المالي والتجاري لباكستان.
وفي عام 1954، زار الملك سعود العاصمة الباكستانية (السابقة) كراتشي، وعلى إثرها سمّت الحكومة أحد شوارعها وقاعدة جوية باسم الملك فيصل، بينما سميت بلدة سعود أباد، بعد أن وضع حجر الأساس لمشروع الإسكان. وتمت تسمية المدينة المركزية البنجابية باسم فيصل أباد أيضاً. ويعدّ هذا بمثابة نجاح كبير للدبلوماسية الرسمية والعامة للمملكة العربية السعودية في دولة مسلمة غير ناطقة بالعربية. وبعد ثلاث سنوات على حرب 1965 مع الهند، زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع والطيران اللاحق، باكستان، بهدف إضفاء الطابع الرسمي على بروتوكول التعاون الدفاعي بين البلدين. كما أن القيادة السعودية استجابت، في سبعينيات القرن الماضي، لطلب ذو الفقار علي بوتو للحصول على المساعدة المالية اللازمة، بغية الرد على الطموحات النووية للهند، بعد اختبار بوخران الأول. عندها نقلت الصحافة عن مسؤول لم يُذكر اسمه أن بوتو كان قادراً على التماس خمسمائة مليون (نحو مليارين ونصف المليار بالقيمة الحالية للدولار) من الأصدقاء العرب. وكانت ليبيا الداعم الرئيسي الثاني لقدرة الردع الباكستانية، بعد العربية السعودية. وفي سنة 1982، وقعت باكستان والسعودية على بروتوكول عسكري آخر، تساند بموجبه قوات باكستانية المملكة عند الحاجة. ومثل معظم اتفاقيات الدفاع (بما في ذلك التي وُقّعت بين الهند وإيران في عام 2002)، فإن حيثيات الاتفاقات العسكرية بين إسلام أباد والرياض تمت تحت حراسة مشددة. وبعد فرض العقوبات الغربية التي أعقبت التجارب النووية سنة 1998، قدمت المملكة 50.000 برميل من النفط يومياً على مدى سنة، وهو ما يقارب سدس إجمالي واردات النفط الباكستانية، على الدفع المؤجل. ولاحقاً، وسمى السعوديون هذا الدفع المتميز هدية في أوقات الحاجة.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن العلاقة بين باكستان والعرب في أي يوم ذات اتجاه وحيد. فلطالما وقفت باكستان إلى جانب القضايا العربية في زمني الحرب والسلام. وقد رفضت الرياض اقتراح رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، إبرام اتفاق دفاع مشترك في زيارته، أخيراً، المملكة. كما أن الزيارة التي قام بها، أخيراً، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إسلام أباد، قد أظهرت تفهم الرياض المانع الباكستاني الذي يحول دون إرسال قوات إلى بلد مسلم آخر. وعلى ما سبق، لا يمكن لإسلام أباد تحمّل خسارة حلفاء اجتازوا اختبار الزمن الاستراتيجي، والذين هم بالفعل ليسوا كثيرين.