29 يوليو 2016
في الثورة المصرية
فيما تبدو الساحة السياسية المصرية كما لو أنها تمضي باتجاه تسكين المناخ الثوري الغائب عن المجال العام، على حساب الهاجس الأمني المتصل بخلفية الإرهاب، أصبح الوضع في مصر، يوما بعد يوم، شبيها بسيناريو إعادة إنتاج الحياة المصرية ما قبل الثورة، ولاسيما بعد إطلاق سراح الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أخيرا. فهنا، على الأقل، لا نكاد نعثر على توقعاتٍ مقبلة، في ظل شحنٍ إعلامي لخطاب تواطأت عليه غالبية مصادر الإعلام المصري، ويشتغل باستمرار على تحذير قدرة المصريين من اختبار أي مسار نقدي محايد حيال الوقائع التي بدأت تتجه، يوما بعد يوم، لتسكين الحالة الثورية في مصر، وسحب البساط من قوى الثورة عبر مقايضة الثورة بالاستقرار، ومن ثم إعادة إنتاج أخرى أحوال ما قبل 25 يناير2011.
للأسف، ثمّة سياقاتٌ عديدة ربما تلعب دورا سلبيا في تكريس أوضاع الشلل الثوري في مصر، عربيا ودوليا. فمن ناحية، بدت الكلفة الدموية الفادحة للأوضاع في سورية، والاضطرابات الأمنية في ليبيا واليمن، كما لو أنها دلالة مباشرة على جدوى تلك المقايضة التي يسعى الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ومن ورائه الإعلام المصري، إلى تثبيتها في الوعي العام. ومن ناحيةٍ ثانية، تتجه المواقف الدولية إلى الإعراض عن أي مساعدةٍ نتيجة حسابات ومصالح استراتيجية، ولا سيما بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ومع ذلك، يظل مؤشر التوقعات والمفاجآت على المديين، القريب والبعيد، نتيجة لما حدث في مصر، يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بمثابة مؤشر مهم لرصد صدى التحولات التي أحدثتها تلك الثورة، واستكشاف مدى قدرة القوى الثورية، مرة أخرى، على إعادة زخم ثوري جديد، وما إذا كان هناك وجود محتمل وباق للكتلة الثورية الصلبة والقادرة على تجديد طاقتها.
التاريخ القصير لتجربة الثورة، والتقويض الذي تعرّضت له مبكرا، إثر التجريب الفج لسياسات الإخوان المسلمين في عهد الرئيس محمد مرسي، ثم تداعيات أحداث الانقسام المجتمعي لقوى الثورة في منتصف العام 2013؛ كل ذلك يضعنا بالضرورة أمام إحدى نقاط ضعف الثورة المصرية التي انطلقت في يوم 25 يناير عفويا، وبلا رافعة سياسية تقريباً. فالقوى الحزبية؛ بوصفها قاعدة العمل السياسي والثوري، كانت غائبةً عند انطلاقة الثورة، وعاجزة عن توظيفها سياسيا باتجاه الانتقال الديمقراطي، بعد نجاح الثورة. هناك بالقطع قوى ثورية أعادت تقييم الحالة الانقلابية في 3 يوليو 2013، وتفكر اليوم في اصطفاف جديد، ربما. لكن، في ظل المطاردة والملاحقة المكارثية لجماعة الإخوان المسلمين، وهيمنة الأوضاع الأمنية، سيؤدي الأمر بطبيعة الحال إلى تشتيت الجهود المضادّة لمشروع السيسي، بالإضافة إلى انسحاب وجوه سياسية مؤثرة من الواقع السياسي؛ مثل محمد البرادعي وغيره.
لم يأت عهد السيسي، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام تقريبا على توليه السلطة في مصر، بحلول سحرية، كما ظل الواقع المصري وانسداداته المتفاقمة، يوما بعد يوم، يعيش أسوأ أحواله المتصلة بالحدود الدنيا للعيش؛ الأمر الذي سيضع خارطة المستقبل أمام ارتدادات ثورية أخرى، ربما تكون أكثر كلفة.
من ناحية ثانية، سيكون من الضرورة بمكان، البحث عن سبل إنضاج استراتيجيات قوى الثورة في علاقاتها البينية. ذلك أن الحالة المصرية، خلال السنوات الثلاث من الثورة، جسّدت صراعا حول السلطة على خلفية انقسام مجتمعي بين قوى الثورة؛ وهذه خاصية دالة على مجتمعات العالم الثالث التي يعكس صراعها على السلطة تأويلا للانقسام المجتمعي، ومن ثم لعدم الاستقرار، ما يعني أن ضرورة الفرز بين حقلي المجتمع والسلطة لابد أن تؤدّي إلى فرز آخر بين السلطة، بوصفها حقلا للتغيير المستمر، والمجتمع بوصفه مصدرا للاستقرار.
ثمة توظيف أمني ثقيل الوطأة، تتم صناعته، باستمرار، لمقايضة الثورة بالاستقرار، كما لو أن الثورة، في ذاتها، فعل ضار يجب تجنبه. وتوظيفٌ كهذا لا يعني سوى تأجيل الصدام بين قوى الثورة وأي إرادة قمعية للتحكّم بالشعب المصري ومحاولة إعادته إلى بيت الطاعة الذي خرج منه إلى الوطن في 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
للأسف، ثمّة سياقاتٌ عديدة ربما تلعب دورا سلبيا في تكريس أوضاع الشلل الثوري في مصر، عربيا ودوليا. فمن ناحية، بدت الكلفة الدموية الفادحة للأوضاع في سورية، والاضطرابات الأمنية في ليبيا واليمن، كما لو أنها دلالة مباشرة على جدوى تلك المقايضة التي يسعى الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ومن ورائه الإعلام المصري، إلى تثبيتها في الوعي العام. ومن ناحيةٍ ثانية، تتجه المواقف الدولية إلى الإعراض عن أي مساعدةٍ نتيجة حسابات ومصالح استراتيجية، ولا سيما بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ومع ذلك، يظل مؤشر التوقعات والمفاجآت على المديين، القريب والبعيد، نتيجة لما حدث في مصر، يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بمثابة مؤشر مهم لرصد صدى التحولات التي أحدثتها تلك الثورة، واستكشاف مدى قدرة القوى الثورية، مرة أخرى، على إعادة زخم ثوري جديد، وما إذا كان هناك وجود محتمل وباق للكتلة الثورية الصلبة والقادرة على تجديد طاقتها.
التاريخ القصير لتجربة الثورة، والتقويض الذي تعرّضت له مبكرا، إثر التجريب الفج لسياسات الإخوان المسلمين في عهد الرئيس محمد مرسي، ثم تداعيات أحداث الانقسام المجتمعي لقوى الثورة في منتصف العام 2013؛ كل ذلك يضعنا بالضرورة أمام إحدى نقاط ضعف الثورة المصرية التي انطلقت في يوم 25 يناير عفويا، وبلا رافعة سياسية تقريباً. فالقوى الحزبية؛ بوصفها قاعدة العمل السياسي والثوري، كانت غائبةً عند انطلاقة الثورة، وعاجزة عن توظيفها سياسيا باتجاه الانتقال الديمقراطي، بعد نجاح الثورة. هناك بالقطع قوى ثورية أعادت تقييم الحالة الانقلابية في 3 يوليو 2013، وتفكر اليوم في اصطفاف جديد، ربما. لكن، في ظل المطاردة والملاحقة المكارثية لجماعة الإخوان المسلمين، وهيمنة الأوضاع الأمنية، سيؤدي الأمر بطبيعة الحال إلى تشتيت الجهود المضادّة لمشروع السيسي، بالإضافة إلى انسحاب وجوه سياسية مؤثرة من الواقع السياسي؛ مثل محمد البرادعي وغيره.
لم يأت عهد السيسي، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام تقريبا على توليه السلطة في مصر، بحلول سحرية، كما ظل الواقع المصري وانسداداته المتفاقمة، يوما بعد يوم، يعيش أسوأ أحواله المتصلة بالحدود الدنيا للعيش؛ الأمر الذي سيضع خارطة المستقبل أمام ارتدادات ثورية أخرى، ربما تكون أكثر كلفة.
من ناحية ثانية، سيكون من الضرورة بمكان، البحث عن سبل إنضاج استراتيجيات قوى الثورة في علاقاتها البينية. ذلك أن الحالة المصرية، خلال السنوات الثلاث من الثورة، جسّدت صراعا حول السلطة على خلفية انقسام مجتمعي بين قوى الثورة؛ وهذه خاصية دالة على مجتمعات العالم الثالث التي يعكس صراعها على السلطة تأويلا للانقسام المجتمعي، ومن ثم لعدم الاستقرار، ما يعني أن ضرورة الفرز بين حقلي المجتمع والسلطة لابد أن تؤدّي إلى فرز آخر بين السلطة، بوصفها حقلا للتغيير المستمر، والمجتمع بوصفه مصدرا للاستقرار.
ثمة توظيف أمني ثقيل الوطأة، تتم صناعته، باستمرار، لمقايضة الثورة بالاستقرار، كما لو أن الثورة، في ذاتها، فعل ضار يجب تجنبه. وتوظيفٌ كهذا لا يعني سوى تأجيل الصدام بين قوى الثورة وأي إرادة قمعية للتحكّم بالشعب المصري ومحاولة إعادته إلى بيت الطاعة الذي خرج منه إلى الوطن في 25 يناير/ كانون الثاني 2011.