في الاشتباك التركي الإسرائيلي

02 يناير 2018

القادة وممثلو الدول الإسلامية في قمة اسطنبول (13/12/2017/الأناضول)

+ الخط -
اشتد الصدام الإعلامي والسياسي بين تركيا وإسرائيل، على خلفية قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة. ولم يكتف الرئيس رجب طيب أردوغان بالقول إن إسرائيل دولة إرهاب تقتل الأطفال، بل دعا إلى اجتماع طارئ لدول منظمة التعاون الإسلامي، لحشد الموقف من خطوة ترامب. وقد استفز هذا كله من أردوغان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي ذهب إلى توجيه النقد للسياسة التركية على الهواء مباشرة، عندما قال، في مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لا يعظنا أردوغان بأي عظات، شخص يقصف قرى كردية في تركيا، ويزج الصحافيين في السجن، ويساعد إيران على التملص من عقوبات دولية، ..". وأشعلت التصريحات النارية المتبادلة حرب رسائل بينهما، إذ لم يتأخر الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، في الرد على نتنياهو، عندما قال إن على إسرائيل أن تقدم الحساب على الخروق التي ترتكبها ضد القانون الدولي، مؤكدا أن على إسرائيل وضع حد لاحتلالها الأراضي الفلسطينية، بدل مهاجمة تركيا وقائدها، مشدّدا على أن تركيا ستبقى في فلسطين إلى جانب أصحاب الحق والقانون والمضطهدين.
وقد دفعت حرب الرسائل والتصريحات هذه المعنيين إلى توقع أن يتخذ أردوغان خطوات حقيقية تتجاوز التصعيد الإعلامي إلى قرارات فعلية ملموسة، من نوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد أن تحسنت خلال السنوات الأخيرة، عقب أزمة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة: التي كانت متجهة إلى قطاع غزة عام 2010. ولعل ما زاد سقف التوقعات بموقف تركي حالة الغضب الشعبي في الأراضي الفلسطينية، والتي تقترب من انتفاضة شاملة، وكذلك المواقف العربية والإسلامية والدولية الرافضة للقرار الأميركي، إلا أن توقع هذا الموقف من تركيا قد يحتاج إلى تدقيق كثير في الحيثيات والحسابات، فالمعركة الأساسية في قضية القدس ليست مع إسرائيل، بقدر ما هي مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي استخفت بجميع الدول العربية والإسلامية، عندما اتخذت قرارها بشأن مصير القدس، بمعنى أن الصدام التركي مع إسرائيل هنا هو صدام مع الإدارة الأميركية في الأساس.
الأمر الثاني أن تركيا التي تشهد علاقاتها مع روسيا مزيدا من التحسّن بخصوص الأزمة السورية والعلاقات الاقتصادية، تجد نفسها في غير نسق مع موسكو بخصوص القدس. ولعل التوضيح الذي أصدرته الرئاسة الروسية في هذا الخصوص لا يشير إلى الاختلاف في مواقف البلدين فقط، بل إلى متانة العلاقات الروسية – الإسرائيلية، وأنقرة قد تجد هنا نفسها في أزمة حسابات مع موسكو، إذ إنها لا تريد أن تتوتر العلاقات بينهما، بسبب حسابات الموقف التركي من الأزمة السورية، وتحديدا في ما يتعلق بالملف الكردي السوري وعفرين، خصوصا مع تقارب موسكو من الكرد السوريين، على أمل جعلهم حليفا لها، بعد أن استفردت واشنطن بالتحالف معهم خلال السنوات الماضية. ثالثا، يبقى الموقف التركي مرهونا بسقف الموقف العربي والإسلامي، والذي يبدو إلى الآن أقل سقفا من الموقف التركي، وحرارة الحدث في الشارع الفلسطيني.
في الواقع، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002، تشهد العلاقات التركية – الإسرائيلية سلسلة أزمات خلافا للمراحل السابقة. وفي جوهر ما يثير هذه الأزمات ليست شخصية أردوغان، كما يتوقع بعضهم، بل تعاظم نفوذ تيار إسلامي وشعبي في تركيا، له نظرة رافضة للسياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، فيما على الجانب الإسرائيلي ثمّة اعتقاد بأن إصلاح العلاقة مع تركيا لم تعد ممكنةً في ظل حكم أردوغان، وهو ما يدخل العلاقة بين الجانبين إلى مرحلة مغايرة، ولاسيما بعد القرار الأميركي بشأن مصير القدس.
55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.