لا أحسب أن الغنوشي يطرح مفهوماً محلياً منطلقاً من تجربة حركته في الزخم التونسي الذي لم يهدأ بعد ولم يرسُ على مرفأ، لكني أحسبه يرغب في التأسيس لمفهوم سياسي جديد، تريد حركة إسلامية معاصرة اعتناقه كأيديولوجيا بديلة، تدخل من خلالها إلى تفاصيل المجتمع وتتماهى به مع قيم العقل السياسي الحديث، وتخاطب المجتمعات السياسية بنفس لغتها وأدبياتها، وتسحب احتكار القيم الديمقراطية من تيار سياسي وضع هذه القيم على رف دكانه.
يعيدني طرح الغنوشي لمصطلح الإسلام الديمقراطي إلى تسعينيات الجزائر، وقد كان زعيم النهضة يتواجد فيها حين كان رجل آخر من نفس مشربه السياسي والفكري، الراحل محفوظ نحناح، مؤسس تيار الإخوان في الجزائر، يتحدث عن لبس الإسلاميين لـ"الألباقا"، وهي نوع من البدلات الرفيعة والأنيقة، ويطرح "الشورى قراطية" ويحاول الاشتغال عليها كمفهوم جديد يكون محدداً لمشاركة الإسلاميين في منظومة الدولة. كان الشيخ نحناح يحاول خوض تجربة مصالحة جدية بين الإسلاميين والدولة الوطنية، طال عمر تلك التجربة ما طال لكنه لم يحدث مطلقاً تقييم جاد لمنجزها ومخرجاتها على صعيد قبول الدولة الوطنية بالشراكة السياسية مع الإسلاميين، وقبول الإسلاميين بوصاية الدولة الوطنية على المشروع المجتمعي، إذ عاد في أفق 2012 كل طرف إلى ما قبل تجربة المصالحة تلك. لم تقبل الدولة الوطنية أن تكون الشراكة السياسية ممراً للإسلاميين للنفاذ إلى عمق الحكم، ولم يكن في وسع الإسلاميين تقديم أكثر ما أمكن من التنازلات التي أهدرت نسيجهم الشعبي حتى.
بناء على مخرجات هكذا تجربة عاصرها الغنوشي نفسه في الجزائر، تبنى مشروعية سؤال مركزي حول الإسلام الديمقراطي الذي يؤسس له شيخ النهضة راهناً، وهل يستهدف الإسلام الديمقراطي دمقرطة الإسلاميين او أسلمة الديمقراطية؟ وكيف يمكن أن تحدث تلك المصالحة الشاملة بين الإسلاميين وبين الديمقراطية؟ وما الأدوات التي تضمن نجاح هكذا مصالحة بما لا يهدر الوقت على المنجز الديمقراطي ويقطع مع هاجس التصادم بين الإسلامي والحريات الديمقراطية؟