في أحوال النقد السينمائي العربي الراهن

05 ديسمبر 2016
"آخر أيام المدينة" لتامر السعيد: نقاشات مختلفة (فيسبوك)
+ الخط -
لن يكفَّ عديدون عن طرح سؤال النقد السينمائي العربي، وأحواله، وآليات مقارباته نتاجات سينمائية عربية مختلفة. لن يكفّوا عن التنبيه إلى الفرق الحاصلٍ بين النقد، وإنْ يُنشر في صحفٍ أو مجلات، والصحافة السينمائية، المندرجة في إطار الصحافة الفنية. يهتمّون بالنقد وحالاته، وينفضون عن صحافة فنية، لها أصولها ومفرداتها وقواعدها، ومتابعون ومهتمّون ومنشغلون بها. يُعلّقون أهمية على تبيان واقع النقد السينمائي، في عالم عربي متخبّط بشتّى أنواع المآزق، ويسعون إلى فهم مهنيّته، ومدى استجابته للشرط النقدي السليم، وارتباطه بقارئ/ مُشاهد، وبصنّاع أفلام، وبمنتجيها وموزّعيها.
الأسئلة كثيرة. الراهن يكشف فداحة المأزق. الكتابة النقدية تكاد تندثر، لصالح كتابة صحافية فنية، كما لما يُسيء إلى الكتابة، والسينما، والعاملين فيهما، والمهتمين بهما. انعدام كلّ انتباهٍ إلى قواعد اللغة العربية لا يُحتَمل. غياب كلّ وعيّ بالصرف والنحو مأزق خطر. الاستسهال، في أسلوب الكتابة والتعليق وكيفية مقاربة فيلم أو قضية، يزداد حدّة وحضوراً. الانشغال بمسائل شخصية، ونزاعات تدور في فلك السينما ولا ترتبط بها، أمورٌ موجودة في بعض النقد السينمائي العربي، المنحرف به إلى أهواء واستنسابية تبعده عن النقد.
يحصل هذا دائماً. صحفٌ ومجلات عربية كثيرة لا تكترث ولا تهتم. تمنح السينما مكاناً، لكنها لا تنتبه إلى كمٍّ هائل من التسطيح والتسرّع والأخطاء في الكتابة، التي تنصرف، غالباً، إلى أمورٍ تتعلّق بكل شيء سينمائي، إلاّ بالسينما. للنقد مكانةٌ في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية، وهذه الأخيرة تتيح للجميع الإدلاء بما يظنّونه رأياً نقدياً، فـ "تزداد الطينة بلّة". نادرون هم أولئك الذين يكتبون بلغة سليمة، ويقولون رأياً نقدياً سليماً، بأساليب سليمة. نادرون هم أولئك الذين لا يحتاجون إلى محرّرين، يُدقِّقون وينتبهون ويُصحّحون كتاباتهم. نادرون هم أولئك المحرّرون أصلاً.
في الدورة الـ 38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) لـ "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، يتأكّد قارئ صحف يومية مصرية من أن "النقد السينمائي" مُصاب بألف مأزق، أو أنه شبه مختفٍ، لمصلحة كتابات مليئة بأخطاء لغوية ونحوية وتحريرية، لا علاقة لها بالنقد. كتابات صحافية متسرّعة ومسطّحة، تبتعد كثيراً عن المهرجان وأسئلته الكثيرة، لانطلاقها من مصالح وحسابات وارتباطات غير سينمائية البتّة. متابعات صحافية لا تكترث إلاّ بالمصريّ مثلاً، منصرفة عن كل ما هو غير مصريّ. وفي "المصريّ"، كمّ هائل من الفوضى والمصالح والنعرات. حوارات لا تليق، غالباً، بقسم المنوّعات، لشدّة بهتانها وسطحيتها، ما يعني ابتعادها المطلق عن النقد والسجال والنقاش.
النقد نادرٌ. وندرته لا تظهر في مهرجانات سينمائية عربية دولية فقط. ندرته آفة، والعمل على إصلاح الحال دونه مصاعب جمّة، مرتبطة أولاً بعقلية مأزومة، في شتى أمور الحياة.




المساهمون