في "قبول" حفتر التفويض الشعبي

01 مايو 2020
+ الخط -
أعلن اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، قبوله ما سماه تفويض الشعب الليبي القيادة العامة التي يترأسها بإدارة شؤون البلاد، وإسقاط الاتفاق السياسي اللييي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015، والأجسام التي انبثقت عنه، وفي مقدمتها مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق (شرق). وجاء إعلان حفتر هذا، أياما بعد بيان تلاه، طالب فيه الشعب الليبي بالخروج في الميادين، وإسقاط الاتفاق السياسي، وتفويضه بالحكم، وشهدت مدن شرق البلاد، عقب إعلان حفتر، مظاهرات ليلية لعشرات المتظاهرين، تلبية لطلبه، متحدّية، في الوقت نفسه، حظر التجول الذي فرضته السلطات الليبية، بسبب وباء كورونا.
إعلان حفتر ما سماه قبولا بالتفويض، والذي يعرّف سياسيا بالانقلاب العسكري، يعني إسقاطه مجلس النواب المنعقد في طبرق، والحكومة المؤقتة المنبثقة عن الاتفاق، كون المؤسستين واقعتين في المنطقة الشرقية التي تبسط قوات حفتر السيطرة عليها فعليا، وهو ما يفسر بشكل واضح لماذا أعلن رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، مبادرة سياسية تهدف إلى حل الأزمة الليبية، غير متوافقة مع خطاب حفتر، في اليوم نفسه الذي طلب التفويض الشعبي، وحمل إصرارا على المضي فيما أطلق عليه حفتر تحرير كامل التراب الليبي.
يمكن القول إن حفتر قد عنى بإسقاط الأجسام المنبثقة من الاتفاق السياسي الليبي تلك الواقعة في
 مواقع سيطرة قواته شرق ليبيا، دون سواها من الأجسام السياسية الأخرى المنبثقة منه في غرب ليبيا، كالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب الليبي المنشق عن برلمان طبرق بسبب العدوان على طرابلس من قوات حفتر مطلع إبريل/ نيسان من العام الماضي، وهي التي يحاول حفتر وقواته منذ أكثر من عام إسقاطها بالآلة العسكرية.
ما أقدم عليه اللواء المتقاعد لا يمكن فصلها عن خطواتٍ شبيهة حدثت في المحيط العربي، كالتي جرت قبل أيام في جنوب اليمن، إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة شبيهة بالانفصال، وأطلق عليها دعاتها تفعيل الإدارة الذاتية لجنوب اليمن. ومعلوم أن قوات حفتر والمجلس الانتقالي الجنوبي يتلقيان الدعم السياسي والعسكري من محور الدول المعادية لثورات الربيع العربي، وفي مقدمتها دولة الإمارات، وسبق لنائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، أن أعلن، في تغريدة على حسابه في تويتر، استعداد قواته لدعم قوات حفتر في حربها ضد قوات حكومة الوفاق الوطني والسيطرة على العاصمة طرابلس.
طلب حفتر التفويض الشعبي شبيه بخطوة فعلها وزير الدفاع المصري في العام 2013، عبد الفتاح السيسي، وانتهت بإعلان الجيش المصري الانقلاب على الرئاسة والمؤسسات المنتخبة في الدولة، والفرق أن الخطوة المصرية اتخذت في ظل دولة موحدة ومؤسسة عسكرية واحدة، كتبت لها النجاح نهاية المطاف، فيما تُتخذ الخطوة الليبية في ظل صراع محلي مسلح، مدعوم إقليميا ودوليا وهو ما يهدّدها بالفشل.
لم تغير الخطوة التي أقدم عليها حفتر شيئا على أرض الواقع، فالبرلمان والحكومة المنبثقة منه شرق ليبيا، المستهدفان بما أعلنه كانا فعليا يتبعانه، ويدينان له بالولاء، على الرغم من أن التراتبية الدستورية والإدارية معاكسة لهذا الواقع، فصفة القائد العام للجيش الليبي التي يوصف بها حفتر كان البرلمان المنعقد في طبرق هو الذي منحه إياها عام 2014، وهو الذي تدرّج في إغداق الرتب العسكرية عليه، لواءً ففريقا ومشيرا. ويدل على أنه كانت لحفتر اليد الطولى شرق ليبيا وأن جولات الحوار السياسي الليبي، بدءا من لقاء أبوظبي نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي، وحتى جلسة التفاهم المنعقدة في موسكو ومؤتمر برلين اللذين عقدا في يناير/ كانون الثاني الماضي، كان هو من يمثلها، بمعية معاونين له جلهم من أقربائه، من دون أي تمثيل يذكر لرئيس البرلمان ولا أيٍّ من أعضائه.
لعل أقرب ما يقفز إلى الذهن، عند محاولة تفسير خطوة خليفة حفتر إلغاء البرلمان وحكومته،
 وهما في حكم الملغيين حتى قبل إعلانه، هو قطع الطريق أمام أي محاولةٍ لاستئناف المفاوضات السياسية، والتي قد ينتخب لها هذه المرة رئيس البرلمان، عقيلة صالح، أو أحد من أعضاء البرلمان، باختيار من أطراف دولية فاعلة، سيما أن رئيس البرلمان كان قد أعلن عن مبادرة لحل الأزمة السياسية، ستكون محل ترحيب من أطراف إقليمية ودولية، بدأت تنادي بالحل السياسي، بعد ارتفاع وتيرة المعارك جنوب العاصمة طرابلس، وعقب ازدياد الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني لمواجهة عدوان قوات حفتر على طرابلس، والذي يبدو أنه دعم بدأ في قلب طاولة المعارك لصالح حكومة الوفاق، خصوصا بعد سيطرتها على كامل الشريط الساحلي المؤدي إلى تونس، ومحاولة قواتها اقتحامها مدينة ترهونة من عدة محاور، وهي معقل قوات اللواء حفتر في المنطقة الغربية، ومنطلقها في الهجوم على العاصمة من جنوبها.
1411535A-3405-4214-BA8D-B57CBA15BC24
1411535A-3405-4214-BA8D-B57CBA15BC24
أبو بكر بلال الأمين
أبو بكر بلال الأمين