فيليب جمعة: مطبخ عراقي مفتوح للعاملين في مستشفيات بريطانيا

08 مايو 2020
"كنت أشعر أنّ هناك قوّة تجذبني للطعام" (العربي الجديد)
+ الخط -
أرغمت جائحة كورونا الشيف العراقي، فيليب جمعة (36 عاماً) على إغلاق مطعمه "جمعة كيتشن" بعد أقل من عام على افتتاحه في "بورو ماركت"؛ سوق شعبي على الضفة الجنوبية من نهر التايمز. لكن على الرّغم من صعوبة الموقف الذي وجد نفسه فيه فجأة، كانت هذه الأزمة فرصة للتعريف بالمطبخ العراقي، إلى العاملين في مستشفيات بريطانيا من أطبّاء وممرّضين وعمّال نظافة.

وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول جمعة: "عندما أغلقت مطعمي، شعرت بحزن كبير، وابتعدت عن الجميع. كانت خيبة أمل كبيرة، بعد سنوات من الكفاح لتحقيق حلمي وافتتاح مطعمي".

مرّ أسبوع قبل أن ينهض جمعة من جديد ويرفض الاستسلام للاكتئاب. وقد مرّت بباله المصائب التي تحدث في العالم، حيث يموت الناس من هذا الفيروس. كان قلقاً جدا، حول المدفوعات التي كان ينبغي أن يسدّدها، مثل إيجار المطعم، ومرتبات الموظفين، وغيرها. وفكّر في طريقة للحصول على المال، فبدأ ببيع قسائم هدايا أونلاين. ولاقى دعماً كبيراً، خاصّة من أولئك الذين يعرفون نضاله ورحلته الطويلة، للتعريف بالمطبخ العراقي في المجتمع البريطاني على نطاق واسع. وتعبيراً عن امتنانه لكل من اشترى منه قسائم الهدايا، كان يقود سيارته ويسلّمهم أمام أبواب المنازل، أكياساً فيها حمص وخبز وحلوى.
"انتشر هذا الخبر بسرعة أونلاين، ووصلتني رسائل واتّصالات، تمدح الطاقة الإيجابية التي أنشرها خلال هذه الأزمة" يقول جمعة، ويكمل أنّ هذا الدعم دفعه إلى التفكير في تقديم المزيد من الحب للمجتمع.

يذكر جمعة أنّه عندما ذهب إلى المطعم، وجد الكثير من المكوّنات، من بامية وأرز وزعفران، تكفي لإطعام عشرات الموظفين. فخطرت على باله فكرة تحضير وجبات طعام لخدمات الصحة الوطنية، لعمال النظافة والممرضين والأطباء لكل من يعمل في المستشفيات. وبالفعل، بدأ في الطهي وتحضير الوجبات ونقلها إلى ستّة مستشفيات وحده، وهي مستشفيات: سانت جورج، وسانت توماس وسانت بانكراس والملكة إليزابيث وغايز وتشيلسي ووستمنستر.
لاقت هذه اللفتة الإنسانية ترحيباً ودعماً، وراح الناس يتبرّعون على موقع "جمعة كيتشن"، عبر شراء قسائم هدايا أو دفع مبلغ لخدمات الصحة الوطنية.

وجاءت ردود الفعل رائعة، من قبل ممرضين وأطباء، لم يتذوق الكثير منهم الطعام العراقي من قبل. ومن بينها رسالة أثّرت به كثيراً، جاء فيها: "أنت لا تعرف حجم الفرق الذي تحدثه بالنسبة لنا جميعاً في المستشفيات". وكانت أول وجبة سلّمها جمعة، هي البامية، ويقول إنّ أكثر الوجبات شعبية في المطبخ العراقي هي الضلمة والكبة.

ويسهب جمعة، في الحديث عن مشروعه، من منطلق إيمانه بأنّ المطبخ العراقي يستحق أن يكون له مكان أكبر في المجتمع البريطاني.
ويقول إنّ شغفه للعمل في مجال الطعام لم يبارح مخيّلته، على الرّغم من حصوله على شهادة في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة ليدز البريطانية، وعمله في هذا المجال لخمس سنوات. فقد كان يمضي عطلته الأسبوعية أحياناً بالعمل مجاناً في المطاعم، ويعود بعدها إلى مكتبه، وهو يفكّر أنّه لا ينتمي إلى عالم المكاتب والحسابات.




"كنت أشعر بأنّ هناك قوّة لا مرئية تجذبني إلى الطعام" يقول جمعة، ويضيف أنّ الضغوط العائلية والمادية وقفت عائقاً في وجهه لسنوات إلى أن قرّر تقديم استقالته، والتفكير بالقيام بعمل يجد نفسه فيه. مرّ عام قبل أن ينطلق إلى الطهي، ويحاول اكتساب خبرة العمل في المطاعم. وبعد فترة راح يكتب "عمودا" في موقع لندن إيفنينغ ستاندرد، مرة كل أسبوعين يقدّم فيه وصفة طبق عراقي. وكان ذلك منصّة جيّدة للتعريف بالمطبخ العراقي.
في تلك الفترة بين عامي 2011 و2012، كان طعام الشوارع بدأ بالازدهار في لندن بمفاهيم جديدة وازدهرت مطابخ قلّما سمعنا عنها من قبل مثل الطعام الكوري والفيتنامي والهندي، وكان جمعة وقتها يعمل في إحدى الأسواق القريبة، فشعر أن المطبخ العراقي يمكن أن ينافس الأطعمة العالمية وسعى إلى تحقيق ذلك.

لجأ جمعة، إلى إقامة نوادي عشاء في جميع أنحاء لندن واشتهر بها. كان يستأجر مقهى صغيرا أو مطعما، مرّة في الأسبوع، ويقدّم أنواعاً من الأطعمة العراقية. استمرّ على هذا الحال لما يقارب الثلاث سنوات. وتلك كانت بداية جيدّة للتعريف بالمأكولات العراقية، برأيه. بيد أنّها أرهقته ولم يجن منها سوى أرباح مادية قليلة. انطلق بعدها لتأسيس عمل يحمل علامته التجارية، وقدّم الطعام العراقي في المناسبات مثل الأعراس وأعياد الميلاد والاحتفالات.

استطاع جمعة أن يرضي في البداية الغربيين، ويقول إنّه كان من الصعب إرضاء العرب لكن مع مرور الوقت، لمس مدى تطوّر خبرته في الطهي، حتّى جذب جنسيات مختلفة.
وأخيراً استطاع جمعة فتح مطعمه الخاص في "بورو ماركت"، هذا المكان الذي يمثّل وجهة سياحية هامّة في لندن، ويشكّل خطوة كبيرة بالنسبة له وللمطبخ العراقي. ذلك لأنّ معظم السياح الذين يقصدون العاصمة البريطانية، يزورون هذا السوق. ومن الرائع أن يكون المطبخ العراقي جزءاً من تجربتهم.
يأمل جمعة أن تنتهي هذه الأزمة ويفتح مطعمه من جديد، كونه استثمر فيه كل ما ادّخره في حياته، ولم يكن يكترث بالتعليقات السلبية، التي كان يسمعها كلّما تحدّث عن فكرته. وها هو اليوم يوصل المطبخ العراقي إلى العالم عبر دعمه للعاملين في القطاع الصحي الذين يتحدرون من جنسيات مختلفة، ويشعر بالرضى لأنّه يقدّم خدمة إنسانية لهؤلاء الأبطال.


المساهمون