كافحت مجتمعات سكنية في دولتي صربيا والبوسنة اليوم الإثنين لحماية بلدات ومحطات للكهرباء من فيضانات وانهيارات أرضية، دمرت مساحات أراض في الدولتين، وأسفرت عن مقتل العشرات. وسط تخوفات من انفجار ألغام قديمة أو تغير أماكنها.
وكشف انحسار المياه في بعض المناطق الأكثر تضررا بسبب أعنف هطول للأمطار في البلقان قبل 120 عاما، عن مشاهد دمار وتحطم منازل وسقوط أشجار ونفوق حيوانات.
وقدرت السلطات في البوسنة أن نحو نصف مليون شخص تم إجلاؤهم أو تركوا منازلهم. وأجلي 25 ألف شخص على الأقل في صربيا. ولم تشهد البلاد إجلاء هذا العدد من السكان منذ الحرب بين عامي 1992 و1995.
وبعد العثور على جثة في شمال البلاد اليوم ارتفع عدد القتلى في المنطقة إلى 38 على الأقل. وفقا لـ"رويترز".
وأدت الفيضانات التي غمرت أجزاء كبيرة من البوسنة والهرسك إلى تغير أماكن عدد كبير من الألغام التي زرعت خلال حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما يمثل خطرا على مواطني البوسنة وجمهورية صربيا المجاورة.
وقال نائب رئيس مركز إزالة الألغام في البوسنة، فكرت سمايش، في تصريحات لوكالة "الأناضول" إن "أماكن حوالى 220 ألف لغم مزروعة في 13 ألف منطقة في البوسنة والهرسك، تغيرت بسبب الفيضانات والانزلاقات الأرضية الأخيرة"، وهو ما يشكل خطرا على حياة المواطنين، ويستدعي تغيير الخرائط التي سبق رسمها لأماكن تلك الألغام، وتحذير المواطنين بناء عليها.
وأشار سمايش إلى أن الألغام يمكن أيضا أن تكون "قد تحركت إلى خارج حدود البوسنة والهرسك"، حيث يمكن أن تكون تحركت مع نهر "سافا" ووصلت إلى مدينة "جرداب" في صربيا، كما يمكن للألغام أن تتحرك مع نهر الدانوب باتجاه البحر الأسود.
وأضاف سمايش أن مشكلة الألغام "باتت الآن تخص المنطقة بأكملها وليس البوسنة والهرسك فقط"، مؤكدا أن "عملا مكثفا سينظم بهذا الخصوص خلال الأيام المقبلة".
وكانت البوسنة تخطط للتخلص من جميع الألغام بحلول عام 2019 وهو ما يتطلب ميزانية سنوية تبلغ 40 مليون يورو، وبسبب عدم توفر تلك الميزانية لم يتم تنظيف معظم مناطق الألغام في البوسنة. وقتلت الألغام خلال السنوات الماضية أكثر من ألف شخص بينهم 237 طفلا.
وفي السياق ذاته، أمرت السلطات الصربية بالإخلاء العاجل لبلدة كان يعمل فيها جنود ورجال شرطة ومتطوعون بشكل محموم على احتواء نهر "سافا"، وذلك قبل أن يتمكن النهر من إغراق محطة توليد الكهرباء الرئيسية في صربيا.
وتقع محطة توليد كهرباء نيكولا تسلا التي تعمل بالفحم في بلدة أوبرانوفيتش التي ضربها الفيضان على بعد عشرين كيلو مترا من العاصمة. وتمد المحطة نصف صربيا ومعظم العاصمة بلجراد بالكهرباء.
وأمر قائد الشرطة الصربية نبويسا ستفانوفيتش بأن يتم إخلاء البلدة بكاملها من المدنيين اليوم الاثنين لوجود توقعات بارتفاع الماء في نهر سافا. بحسب أسوشييتد برس.
وأرسل الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليك الاثنين قافلة تحمل مساعدات إنسانية إلى المدن والقرى التي تضررت من الفيضانات التي ضربت البلقان الأسبوع الماضي، وسيؤخذ جزء من المساعدات إلى أكثر المناطق تضررا والبقية إلى قسم الحالات الطارئة داخل وزارة الداخلية الصربية ليتم توزيعها على بقية المناطق.
وقال نيكوليك لمجموعة من المراسلين في بلغراد إن حكومته تعمل على اعادة "كل منزل وكل أسرة" إلى الحالة التي كانوا عليها قبل أن تضرب الفيضانات المكان. وتعهد أيضا بأنه سيتم إرسال قافلة مساعدات يوما بعد يوم للتأكد من تلقي ضحايا الفيضانات المساعدات الضرورية.
كانت مياه الفيضانات قد تسببت في أكثر من ثلاثة آلاف انهيار أرضي عبر البلقان، مما ألحق دمارا بمدن وقرى بأكملها وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان. وقتل خمسة وثلاثون شخصا على الأقل في صربيا والبوسنة في الأيام الخمسة للفيضان التي سبقها معدل هطول أمطار غير مسبوق، حسبما قالت السلطات.
ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة ضحايا الفيضانات في وقت بدأت فيه مياه الفيضان في الانحسار في بعض المناطق، وبهذا يتضح الحجم الكامل للضرر عقب ثلاثة أيام من الأمطار التي توازي سقوط أمطار ثلاثة أشهر متواصلة على المنطقة، متسببة في أسوأ كارثة فيضانات منذ 120 عاما.
وأوضح رئيس بلدية بلجراد سينيسا مالي أن أكثر من 300 ألف كيس رمل وضعت في العاصمة على ضفاف السافا، أحد روافد نهر الدانوب. وقال مالي بحسب فرانس برس "هنا ارتفع منسوب المياه مترين عن السد وهو يزيد بواقع 2 سم في الساعة. لكن الوضع تحت السيطرة حتى الأن".
وخلال ليل الأحد الاثنين وصباح اليوم قام الألاف من المتطوعين بإقامة السدود على طول ضفاف السافا وخاصة في ساباتش وسريمسكا وميتروفيتشا وحول محطة نيكولا تيسلا الحرارية. لكن الأجواء في المنطقة اليوم كانت مشمسة وجافة كما انخفض منسوب معظم الأنهار الصغيرة.
المحطة القريبة من اوبرينوفاتش، إحدى المدن الصربية الأكثر تضررا والتي تحاصرها مياه الفيضانات، تنتج 50 بالمئة من الكهرباء التي تستهلكها البلاد لذلك فإن حمايتها أمر حاسم لاستقرار منظومة الطاقة في صربيا.
وبعد أن بلغ ارتفاع منسوب المياه مترين في اوبرينوفاتش بدأت المياه تنحسر الاثنين لكن عمليات إجلاء المنكوبين مازالت مستمرة وما زالت قوات الأمن تمنع الدخول إلى المدينة. وإجمالا تم إجلاء ثمانية ألاف من سكان المدينة البالغ عددهم 20 ألف.
وزير الخارجية الصربي ايفيتشا داسيتش دعا السفراء المعتمدين في بلجراد والصحافيين إلى مرافقته بعد ظهر اليوم للاطلاع على حجم الخسائر في المدينة المنكوبة.
يقول رانكوفيتش الذي فر من قريته القريبة من اوبرينوفاتش "فقدت كل شيء بعد أن تركت ورائي كل الأبقار والخنازير والدواجن". يضيف المسن البالغ الـ78 من العمر والذي وجد مأوى في بلجراد "لحسن الحظ فإن زوجتي وأبنائي وأحفادي على قيد الحياة".
من جانبه يقول نديليكو برانكوفيتش وهو مهندس من بلجراد نجح في دخول كروباني (جنوب غرب) لإجلاء والديه "إنها نهاية العالم، لا يمكنني أن أجد وصفا أخر للوضع". "منازل بأكملها جرفتها المياه كليا".
نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش وصف العواصف بـ"الكارثة التوراتية" ودعا المجتمع الدولي إلى مساعدة بلاده معلنا عزمه التبرع للمنكوبين بالجائزة التي حصل عليها لفوزه ببطولة روما والبالغة قيمتها 700 ألف يورو حسب الصحف المحلية.