فيروس كورونا الجديد... هل بدأت الموجة الثانية؟

18 يونيو 2020
لا مفرّ من القلق (أندرانيل موخرجي/ فرانس برس)
+ الخط -

فيما خفّفت معظم البلدان المتضرّرة من جائحة كورونا تدابيرها المتخذة لمواجهتها، وعمدت أخرى إلى إعادة فتح حدودها، ظهر تخوّف من موجة ثانية، فيما أهل المعمورة لم يبرأوا بعد من القلق الذي تحكّم بهم في الأشهر الأخيرة.

ثمّة كلام متداول في الأيام الأخيرة عن موجة ثانية من فيروس كورونا الجديد. هل الأمر صحيح؟ مجرّد التفكير في الأمر يثير القلق وسط الناس الذين ما زالوا يحاولون التأقلم مع الوضع القائم. وتكثر الأسئلة من قبيل: هل يعني ظهور بؤر جديدة للفيروس في الصين وإيطاليا بالإضافة إلى تسجيل ارتفاع جديد في الإصابات والوفيات بإيران أنّ ثمّة موجة ثانية من جائحة كورونا؟ وكيف التعامل معها إذا صحّ ذلك؟ هل من خلال حجر وإقفال جديدَين؟ وهل ثمّة إمكانيّة لتفادي موجة ثانية؟ وهل صحيح أنّ الموجة الثانية تكون أكثر شراسة من الأولى؟

في تقرير عن الموضوع، تنقل صحيفة "لو تان" السويسريّة عن مدير مركز الصحة العالمية في جامعة جنيف السويسرية أنطوان فلاوو، قوله إنّ "رصد بؤر جديدة (لفيروس كورونا الجديد) أمر متوقّع في هذه المرحلة، وهي ستتكاثر في هذا الصيف، من دون أن يعني ذلك موجة ثانية وشيكة". يضيف أنّ "التيقّظ الوبائي الفائق بعد فكّ الحجر وكذلك زيادة فحوص الكشف عن الفيروس يساهمان في خلق أثر العدسة المكبّرة على أصغر بؤرة قد تظهر".

عمليّاً، ما دام عدد الأشخاص المحصّنين في وجه مرض كوفيد - 19 الذي يسبّبه فيروس كورونا الجديد، إمّا لأنّهم سبق أن أصيبوا بالعدوى، وإمّا لأنّهم حصلوا على لقاح (لن يجهز قبل أشهر عدّة)، لم يبلغ عتبة 50 إلى 70 في المائة من السكان، فإنّ عودة الوباء أمر ممكن جداً. ويشرح المتخصص في علم الأوبئة في جامعة برن السويسريّة جوليان ريو للصحيفة نفسها أنّ "العودة تكون في حال سُجّل ارتفاع في عدد حالات انتقال العدوى في خلال الاختلاط بأشخاص معدين". ويتابع أنّه "بخلاف ذلك، لن يكون ارتفاع جديد في الإصابات إذا بقي انتقال العدوى قليلاً جداً بفضل التدابير الاحترازية والتباعد الاجتماعي والحدّ من بعض التجمّعات، وخصوصاً تتبّع الاختلاط"، مشدّداً على أنّه "في غياب اللقاحات، لا بدّ من الحذر". بالتالي، إنّ موجة ثانية ليست من خاصيّات الفيروس الجديد، إنّما هي من تبعات التخفيف من فعاليّة إجراءات الضبط.



الجائحة لم تنتهِ بعد

والعالم، بحسب ما يجمع الخبراء، لم ينتهِ بعد من جائحة كورونا. هذا أمر مؤكّد، ولا سيّما مع استشراء الفيروس الجديد في أميركا اللاتينية أخيراً. وفيما أعلنت سلطات صحيّة عدّة تغلّبها على الفيروس في بلدانها، في بقاع مختلفة من العالم، يبدو أنّ بعضاً منها يواجه المرض من جديد. وفي خلال أيام، أعلنت الصين كما إيطاليا عن انتكاسة، مع ظهور بؤر جديدة، والأمر كذلك بالنسبة إلى إيران التي سجّلت أخيراً عدداً أكبر من الإصابات والوفيات.

تعليقاً على هذا الموضوع الذي يثير قلقاً اليوم، يقول البروفسور المتخصّص في الأمراض الجرثومية والمعدية جاك مخباط لـ"العربي الجديد" إنّه "عندما نعيد فتح الأسواق ونلغي الحجر المنزلي، من المؤكّد أن تحدث موجة ثانية من الفيروس. هذا أمر منطقي. لكنّ التساؤل هو: هل تكون الموجة الثانية أقل أم أكثر حدّة؟ بحسب ما يظهر، فإنّها قد تأتي أقلّ حدّة بسبب تغيّرات في الفيروس أو بسبب ارتفاع بسيط في المناعة البشرية يؤدّي إلى خفض خطر الانتشار. بالتالي، إمّا تكون قابلية الفيروس على الانتشار قد انخفضت، وإمّا تكون المناعة البشرية قد ارتفعت".

يضيف مخباط أنّه "حتّى لو اتّخذنا طرق الوقاية اللازمة، وذلك في أفضل الأنظمة في العالم وبأفضل طريقة تطبيق وبأكبر التزام ممكن بين الناس، فإنّ الفيروس سيعود، ولا قوّة تمنعه من ذلك. فنحن لا نستطيع إرغام الناس بين ليلة وضحاها على تغيير عادات عمرها مئات وآلاف السنوات. هم لطالما اعتادوا الجلوس معاً والسهر معاً والتنزّه معاً، لذلك لا يمكن أن نطلب منهم التوقف كلياً عن كلّ ذلك. في النقل المشترك، إلى أيّ مدى يمكننا إبعاد الناس بعضهم عن بعض، وعند تنظيم مباريات رياضية أو احتفالات وأنشطة ترفيهية؟ المشكلة واحدة، سواء في خلال الترفيه أو العمل أو التنقّل. لا شيء ينفع إلا إذا طلبنا من كلّ شخص البقاء في صومعته والمبادرة إلى زراعة ما يحتاجه من خضار وفاكهة وتربية المواشي".



ويؤكد مخباط أنّ "الموجة الثانية ستحصل، وهذا أمر طبيعي بعد فكّ الحجر المنزلي الذي فُرض. لكنّ الحديث اليوم عن موجة ثانية هو لإثارة الرعب بين الناس، وليس لطمأنتهم. وأنا أسأل منذ ثلاثة أشهر عن موجة ثانية من فيروس كورونا الجديد، والجواب هو: من الطبيعي عندما تفتح المطارات والأسواق أن نشهد ارتفاعاً جديداً في عدد الإصابات بالفيروس. هذا أمر لا شكّ فيه. لكنّني أفضّل تسميتها عودة ارتفاع الإصابات وليس موجة ثانية. وفي لبنان مثلاً، كنّا نتوقّع وننتظر عودة ارتفاع الإصابات، لذلك كانت المستشفيات هنا تتهيأ لذلك وكذلك الجميع".

ويلفت مخباط إلى أنّه "قد نعود إلى الإقفال والحجر المنزلي، وهذا يرتبط بعدد الإصابات المتوقعة. لكن من الصعب جداً إقناع الناس بالعودة إلى الحجر المنزلي من جديد، خصوصاً أنّنا على مشارف فصل الصيف والناس معتادون النقاهة في هذه الفترة، ولا سيّما أنّ كثيرين منهم حول العالم حُرموا اقتصادياً، وفي لبنان بشكل أكبر". لكنّه ينبّه إلى أنّه "إذا لم يلتزم الأفراد مبادئ الوقاية، فإنّنا نحضّر أنفسنا لكارثة، وستعود وزارة الصحة العامة (والسلطات الصحية) إلى فرض الحجر من جديد. لا بدّ من التزام التباعد الاجتماعي وسبل الوقاية".

ويعود مخباط لتأكيد أنّ "فيروس كورونا لن ينتهي في الوقت الحاضر، برأيي. لنكن واقعيين. فيروسات كورونا إجمالاً لا تخلق مناعة. الفرد يُصاب سنوياً بالإنفلونزا، وفيروسات الإنفلونزا لا تخلق مناعة، وإذا خلقت مناعة، فهي على شهرَين أو ثلاثة أشهر فقط، وليس من سنة إلى سنة. ولقاح الإنفلونزا يخلق مناعة مؤقتة، ثمّ يجب أخذ آخر من جديد، لأنّ الفيروس يتغيّر أوّلاً فيما المناعة تخفّ. بالتالي، من الصعب جداً القول إنّنا نخلق مناعة تجاه هذه الأنواع من الفيروسات، ولا يمكن أحداً أن يتحدّث عن مناعة قطيع ستحصل. فمناعة القطيع ستنفع فقط على مدى شهرَين أو ثلاثة أشهر. وفي الشتاء المقبل، عندما تختفي المناعة، سيظهر فيروس من جديد إذا كان لا يزال مختبئاً، عندها نقول إنّها موجة ثانية".

ويوضح مخباط: "حالياً، ما زلنا في الموجة الأولى. أملنا الوحيد هو أن يندثر الفيروس ويختفي بحدّ ذاته، لأنّه غير قابل للتعايش في المجتمع أو لدى الإنسان، لكونه في الأساس ناتجاً من طفرة جينيّة، وليس برياً، لذلك سيندثر في النهاية". يكمل أنّ "فيروس كورونا الجديد ليس كفيروس الحميرة أو فيروس أبو كعب اللذَين يتعايشان مع الإنسان، لكونهما من الفيروسات البرية الثابتة. ولأنّ فيروس كورونا هو فيروس غير ثابت، لذلك فإنّه لا يستمر".



معطيات أخيرة

وبعدما كانت المعطيات تشير إلى القضاء على المرض تقريباً في الصين، أدّى تسجيل إصابات جديدة منذ يوم الجمعة الماضي في العاصمة بكين إلى إطلاق الإنذار. وعبّرت السلطات المحلية عن قلقها، إذ وُصف بالوضع المستجدّ بالخطير، فاتُّخذت إجراءات جذريّة لم تصل إلى حدّ العزل العام، لكنّ مراقبين يرون أنّ الأمور تذهب في هذا الاتجاه. فقد رُفع مستوى الإنذار، وأغلقت المدارس أبوابها من جديد، ما يعني مئات آلاف التلاميذ الذين يلازمون بيوتهم من جديد، مع فرض الحجر الصحي على 30 حيّاً، وإغلاق مراكز رياضية وثقافية ومدارس.

في إيطاليا، فإنّ الكشف عن بؤرتَين في العاصمة روما، واحدة في مستشفى وثانية في مبنى سكني، سبّب حالة من القلق في البلد الذي ظلّ لفترة طويلة في المركز الثاني على قائمة البلدان الأكثر تضرّراً من فيروس كورونا الجديد. والسلطات الصحية التي تقوم بالتحقيقات اللازمة لتطويق المستجدّ، تؤكد أن "الوضع تحت السيطرة" من دون أن يطمئن ذلك الإيطاليين.



وفي إيران، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد انتقد، قبل أيام، مواطنيه بسبب تراجع التزامهم الإرشادات الصحيّة للوقاية من فيروس كورونا الجديد. وجاءت تصريحاته بعد تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات والوفيات. وقد علّق على تقرير في الموضوع، قائلاً إنّ "احترام شعبنا الإرشادات كان رائعاً"، وأضاف أنّ "نسبة الإيرانيين الذين احترموها وصلت إلى 80 في المائة وأكثر" ما بين 20 إبريل/ نيسان و20 مايو/ أيار الماضيَين. لكنّ التقرير الذي وصفه بـ"المقلق" يظهر أنّ الالتزام "تراجع كثيراً ولم يعد يحترمها إلا ما بين 18 و20 في المائة من الناس فقط". يُذكر أنّ إيران التي سجّلت الإصابة الأولى بفيروس كورونا الجديد في منتصف فبراير/ شباط الماضي، هي أكثر دول الشرق الأوسط تضرّراً.
دلالات
المساهمون