بينما يُسجّل في الصين تفاؤل مع تراجع في الإصابات الجديدة بفيروس كورونا الجديد وكذلك الوفيات ذات الصلة وتزايد في حالات الشفاء، يبدو القلق سيّد الموقف في بلدان عدّة مع التفشّي المتسارع، ويأمل الجميع بخاتمة حسنة.
أعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس الثلاثاء، أنّ عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا الجديد التي سُجّلت في خارج الصين أكبر بتسع مرّات من عدد الإصابات الجديدة التي سُجّلت في داخل البلاد في خلال 24 ساعة. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحافي عقده في جنيف، إنّه في حين يتمدّد الفيروس حول العالم، تشهد الصين انخفاضاً في الحالات الجديدة. أضاف أنّ نحو 81 في المئة من الإصابات في خارج الصين شُخّصت في أربع دول فقط هي كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران واليابان، مؤكداً أنّ الوضع في هذه الدول الأربع "مقلق جداً". ووصف تيدروس فيروس كورونا المتفشّي حالياً بأنّه "فريد من نوعه وله سمات فريدة، وهو لا يشبه الأنفلونزا"، الأمر الذي أكّده بدوره المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية في المنظمة مايكل ريان قائلاً: "نحن نعلم أنّه لا ينتقل مثل الأنفلونزا، وهذا يمثّل بصيص أمل بإمكانية مكافحة هذا الفيروس واحتوائه". أضاف ريان أنّ "العلماء ما زالوا غير قادرين على تحديد سلوك فيروس كورونا الجديد". وإذ أشار إلى أنّ مسؤولي الصحة لا يظنّون أنّ ثمّة دولاً لا تتمتّع بالشفافية في هذا الإطار، أشار إلى أنّ العالم ما زال قادراً على "تجنّب الأسوأ"، على الرغم من رفع تقييم الخطر من قبل المنظمة إلى أعلى مستوياته.
خاتمة كورونا
"كيف ستكون خاتمة تفشّي فيروس كورونا؟"، يسأل ويليام وان، المراسل الصحيّ والعلميّ لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة. وفي مقال نُشِر أخيراً تحت هذا العنوان، يستعرض وان خواتيم عدد من الأزمات الصحيّة المشابهة، في وقت يسود القلق العالم بأكمله اليوم بعدما تخطّى الفيروس الجديد حدود الصين، مركز انطلاقه قبل نحو شهرَين. بالنسبة إلى وان، فإنّ أحداً لا يعلم يقيناً كيف تنتهي هذه القضيّة، غير أنّ ثمّة متخصّصين في علم الفيروسات يشيرون إلى "مفاتيح" استناداً إلى الأزمات الصحيّة المشابهة. ويطرح سيناريوهات ثلاثة في هذا السياق، أوّلها أنّ السلطات الصحيّة تسيطر على فيروس كورونا من خلال إجراءات مشدّدة في مجال الصحّة العامة، ثانيها أنّ فيروس كورونا يضرب البلدان الأقلّ نمواً فتسوء الأمور قبل أن تتحسّن حال تلك البلدان، أمّا ثالثها فهو أنّ تفشّي فيروس كورونا على نطاق واسع سوف يحوّله إلى أمر واقع.
في السيناريو الأوّل "السلطات الصحيّة تسيطر على فيروس كورونا من خلال إجراءات مشدّدة في مجال الصحّة العامة". يحكي وان عن متلازمة الالتهاب التنفّسي الحاد (سارس) التي ضربت آسيا وبلداناً بقارّات أخرى في عامَي 2002 و2003. عندها كان الوضع "مرعباً" مع نسبة وفيّات قُدّرت بنحو 10 في المائة، فيما لم تظهر أيّ أدوية فعاليّة في علاج المرض الذي تسبّب فيه كذلك واحد من الفيروسات التاجيّة أو فيروسات كورونا. يُذكر أنّ نسبة وفيّات فيروس كورونا الجديد هي فقط 2.3 في المائة. وفي خلال أشهر، تمّت السيطرة على سارس وقضي على أكثره من خلال تعاون دوليّ وإجراءات صحيّة عامة كلاسيكيّة مشدّدة، من قبيل العزل والحجر الصحيّ ومتابعة مخالطي المصابين.
هذه خاتمة مثاليّة، غير أنّ الفارق ما بين سارس وكورونا الجديد هو أنّ أعراض الأوّل كانت أكثر حدّة ممّا هي أعراض الثاني اليوم، الأمر الذي كان يدفع الأشخاص المصابين إلى التوجّه إلى المستشفى بعد وقت قصير من انتقال العدوى إليهم. ويستشهد وان بالمتخصّص في علم الفيروسات في جامعة ماريلاند الأميركيّة ستيوارت ويستون، الذي يرى أنّ تحديد حالات فيروس كورونا الجديد وعزلها أمر أكثر صعوبة. وويستون واحد من ضمن مجموعة صغيرة من الباحثين الذين يدرسون عيّنات من الفيروس الجديد. وهو حذر إلى جانب خبراء من أنّ تفشّي الفيروس في الولايات المتحدة الأميركيّة وبلدان أخرى سوف يكون أكبر بالمقارنة مع القدرة على رصده، لأنّ أشخاصاً كثيرين مع أعراض خفيفة لن يعلموا بأنّهم مصابون بالعدوى.
البلدان الأقلّ نمواً
في السيناريو الثاني "فيروس كورونا يضرب البلدان الأقلّ نمواً فتسوء الأمور قبل أن تتحسّن حال تلك البلدان"، يؤكّد وان أنّ واحداً من دروس تفشّي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا (2014 - 2016)، هو كيف يستفحل مرض شديد العدوى عندما يصيب بلداناً مع بنى تحتيّة صحيّة هشّة. وهذا ما يدفع منظمة الصحة العالميّة وجهات أخرى إلى تهيئة بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء لفيروس كورونا الجديد، على الرغم من أنّه لم ينتشر هناك. بالمقارنة مع فيروس كورونا الجديد، فإنّ عدوى إيبولا كانت أقلّ وكانت تتمّ بشكل أساس عبر سوائل الجسم. أمّا كورونا فينتقل عبر القطيرات الناجمة عن السعال والعطاس والتي تسقط على مختلف الأسطح من حولنا. لكنّ إيبولا يُعَدّ أكثر فتكاً، فهو أصاب أكثر من 28 ألف شخص وتسبّب في وفاة أكثر من 11 ألفاً منهم، فيما النقص في الفرق المتخصّصة والإمدادات إلى جانب الفقر ومماطلة المسؤولين وشكوكهم أدّت إلى استفحال العدوى. ويشير وان إلى أنّ المسؤولين في منظمة الصحة العالميّة ماضون في حثّ البلدان على تهيئة نفسها. ويوم الجمعة الماضي، رفعت المنظمة تقييمها لخطر انتشار فيروس كورونا الجديد إلى أعلى مستوى، فقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية فيها، مايكل ريان، إنّ ذلك مناسبة لتذكير كلّ حكومة على كوكب الأرض بواقع الحال ودعوتها إلى الاستيقاظ والتهيّؤ، إذ إنّ الفيروس قد يكون في طريقه إليها.
أمر واقع قريباً؟
في السيناريو الثالث "تفشّي فيروس كورونا على نطاق واسع سوف يحوّله إلى أمر واقع"، يعود وان إلى عام 2009 وتفشّي أنفلونزا "إتش 1 إن 1"، التي كانت تُعرَف كذلك باسم "أنفلونزا الخنازير". وهذه الأنفلونزا انتشرت بسرعة وطاولت ما بين 11 و21 في المائة من مجموع سكّان الأرض. فأعلنتها منظمة الصحة العالميّة جائحة وسط شيوع للخوف. يُذكر أنّ "إتش 1 إن 1"، بحسب ما تبيّن، كان أخفّ من المتوقّع، مسبّبة سيلاناً أنفياً وسعالاً أكثر بين معظم المصابين. واليوم، تُعَدّ كأنفلونزا موسميّة وتظهر وتختفي سنوياً حول العالم. ويرى متخصّصون في علم الفيروسات أنّ التشبيه ما بين هذه الأنفلونزا وفيروس كورونا الجديد قد يكون منطقياً. وفي حين تأتي نسب الوفيّات بها أقلّ من تلك المسجّلة بسبب متلازمة الالتهاب التنفّسي الحاد (السارس) أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسيّة (ميرس)، إلا أنّها كانت أكثر فتكاً على خلفيّة تفشّيها على نطاق واسع وسرعة عدواها.
وثمّة تشبيه آخر محتمل مع الأنفلونزا الإسبانيّة في عام 1918، من دون أيّ نيّة لإثارة المخاوف، بحسب وان. فنسبة الوفيّات حينها كانت 2.5 في المائة، وهي قريبة من النسبة المقدّرة لوفيات فيروس كورونا الجديد اليوم. وكان المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) قد وصف الأنفلونزا الإسبانيّة بأنّها "الجائحة الأكثر فتكاً في التاريخ البشريّ"، لأنّها أصابت نحو ثلث سكّان العالم وقتلت نحو 50 مليون شخص. لكنّ هذه الأنفلونزا كانت تقتل الصغار والكبار على حدّ سواء، في حين أنّ الفيروس الجديد، وبحسب ما تبيّن، يقضي على الأشخاص الأكبر سنّاً ولا يؤذي الأصغر نسبياً. وفي هذا السياق، يستشهد وان بالمتخصّص في علم الفيروسات، وتحديداً بالأنفلونزا، فلوريان كرامر، الذي يؤكّد أنّ العالم في عام 1918 كان مختلفاً جداً عمّا هو اليوم. ويشرح كرامر: "لم نكن نملك الأدوات لتشخيص الأمراض ولا المضادات الحيويّة لمكافحة الالتهابات الثانويّة. المستشفيات حينها كانت أمكنة تقصدها لتلقى حتفك وليس لتلقّي العلاج. كذلك، فإنّ الحرب (العالميّة الأولى) كانت مشتعلة في العالم في عام 1918، وعدد كبير من المصابين كانوا جنوداً محتجزين في الخنادق". يضيف: "ولن تنتهي الأمور على هذه الحال بحسب ما نأمل" اليوم. ويؤكّد وان أنّ عدد الأشخاص الذي سيلقون حتفهم من جرّاء فيروس كورونا الجديد مرتبط بمدى تفشّيه وبمدى تهيّؤنا وبنسبة الوفيّات التي سوف تُسجّل في النهاية.
الخبراء يبحثون عن أجوبة
ويلفت وان إلى أنّ أحداً لا يعرف ما إذا كان فيروس كورونا الجديد سوف يتأثّر بالفصول كما هي حال الأنفلونزا. وينقل عن المتخصصة في علم الأوبئة في منظمة الصحة العالميّة، كماريا فان كرخوف، قولها: "ما زلنا نتعلّم الكثير حول هذا الفيروس. واليوم، لا سبب يدفعنا إلى الظنّ بأنّه سوف يكون فاعلاً بطريقة مختلفة في أحوال مناخيّة مختلفة. علينا الانتظار لنرى ما سوف يحدث". ويشرح وان أنّ فيروسات كورونا أو الفيروسات التاجيّة هي حيوانيّة المنشأ، أي أنّها تنتقل من الحيوان إلى الإنسان. وبحسب الخبراء، فإنّ فيروس سارس انتقل من الخفافيش إلى قططة الزباد ثمّ الإنسان. من جهته، انتقل فيروس ميرس المميت من الخفافيش إلى الجمال ثمّ الإنسان، حسب ما هو مرجّح. أمّا فيروس كورونا الجديد، فلا أحد يعلم أيّ حيوان تسبّب في تفشّيه، وهذا لغز لا بدّ من أن يحلّه العلماء لتفادي تكرّر الأمر مستقبلاً. تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة متّهماً اليوم وهو آكل النمل الحرشفي أو بانغولين الذي يُعَدّ مهدّداً بالانقراض والذي تتعرّض حراشفه للتجارة السريّة. ويستشهد وان بالمتخصّص في علم الفيروسات فينيت ميناتشيري الذي يقول إنّه في خلال تفشّي سارس، "بمجرّد تحديد الحيوانات المسؤولة عن ذلك في الصين، تمكّن المعنيّون من استبعادها من الأسواق. فالأمر أشبه بأنبوب تتسرّب منه المياه، وعليك اكتشاف المصدر حتى تسدّ الثقب".