فيروس الفدية.. كم نحن عاجزون

18 مايو 2017

من يقف وراء فيروس الفدية.. ؟ (Getty)

+ الخط -
هل أصبحنا عبيداً للتكنولوجيا التي صنعناها لخدمتنا؟ هل تحولت الأجهزة الإلكترونية، الحواسيب تحديداً، إلى أجهزةٍ لبلورة العجز الإنساني الناقص في خلقنا، إذ نتعوّد عليها، حتى لتكاد تصبح جزءاً من قدراتنا البشرية، وعندما تغيب أو تتعطل، لسببٍ أو لآخر، يتبلور ذلك العجز في هيئة ثغرةٍ، لا يكاد يملؤها شيء مما نملك، لنعيد اكتشاف الحقيقة الوجودية الكبرى: كم نحن عاجزون؟ 

مرّة أخرى.. توقف قلب العالم الإلكتروني، أو كاد، بسبب ثغرةٍ أمنيةٍ منسيةٍ في أحد الأنظمة التشغيلية للحواسيب، ما تسبب في ربكةٍ طاولت معظم دول العالم، وتسببت في خسائر مادية ومعنوية، لم يستطع أحد الإحاطة بها حتى الآن.
فمنذ يوم الجمعة الماضي، والعالم كله يعيش على أعصابه توجّسا من فيروس إلكتروني هاجم مئات الآلاف من الحواسيب الشخصية والرسمية، في نحو مائة دولة، لا ليعطلها ويوقفها عن العمل تماما وحسب، بل ليقرصن كل المعلومات والأرقام والصور والرسائل والبيانات المصرفية وغيرها مما اعتاد الناس على الاحتفاظ به في الحواسيب. الغريب في الهجمة الإلكترونية الجديدة التي ما زال العالم منذ نحو أسبوع يعاني منها، أن القرصان أو القراصنة يطالبون ضحاياهم بدفع فديةٍ معينةٍ، عبارة عن مبلغ بسيط نسبيا من المال، لكل منهم على حدة، لتعود حواسيبهم إلى العمل بكامل محفوظاتها! وهو أمر جديدٌ بالنسبة للحروب الإلكترونية التي غالبا ما كان يشنها القراصنة، إما لأهدافٍ تجسّسية على مستوى الدول والاستخبارات، أو لأهدافٍ تقترب من روح التحدّي والتسلية لدى بعض الهواة من القراصنة الذين يتلذّذون بتعذيب العالم عبر لوحات المفاتيح الصغيرة، حيث يلعبون بها، بينما يتناولون وجباتهم السريعة، ويستمعون إلى موسيقاهم المفضلة عبر سماعات الرأس.
بلا قنابل ولا رصاص ولا ألغام ولا صواريخ ولا مدافع ولا دبابات، يشنون حروبهم اللاهية، ليلقنون العالم درسا في القلق مما ينتظره، من حيث لا يحتسب.
فيروس الفدية، كما أصبح يطلق عليه، ليس هو التحدّي الإلكتروني الأول الذي يواجهه العالم، بواسطة القراصنة الإلكترونيين. ولكن، يبدو أنه الأكبر والأشمل حتى الآن، فقد فشلت كل المحاولات في التصدّي له، أو على الأقل معرفة من يقف وراءه، ويستفيد منه، على الرغم من تدخل كل القوى العالمية المتخصصة في الأمر، وكل ما نتج من تلك المحاولات مجرد اتهاماتٍ متبادلةٍ بين بعض الدول الكبرى والصغرى، ذات العلاقات السياسية المتوترة، وكأنها وجدت في المشكلة شمّاعةً مناسبةً لتجديد الخلافات وتضخيمها، لهدف أو لآخر.
سيتجاوز العالم هذه الأزمة، إن لم يكن قد تجاوزها، عند نشر هذا المقال، وستعود الحواسيب إلى العمل، وينسى أصحابها ما فقدوه مع بعض الحسرات الموزّعة على ذكرياتٍ تستعين بالتكنولوجيا لتبقى حيةً، لكن الأسئلة التي تولدت من الأزمة لا بد أنها ستبقى بانتظار إجاباتٍ على مصير البشر، في ظل واقع إلكتروني متغير، على نحوٍ لا يمكن التنبؤ بتبعاته، ولا بنتائجه.
قبل أيام، توقف النظام الإلكتروني الذي نعمل من خلاله في مقر عملي، بسبب عطل هامشي طارئ. وعلى الرغم من أن النظام لم يتوقف إلا لدقائق قليلة، إلا أنها كانت كافيةً بالنسبة لنا جميعا، لنعيش وقتا عصيبا، وخصوصا أننا لم نكن متأكدين أن ما حدث إنما قد حدث بسبب عطلٍ طارئ من النوع الذي يحدث دائما، ويمكن معالجته غالبا خلال وقت قليل، بلا أية خسائر تذكر، فلأننا كنا نتداول أخبار فيروس الفدية، خيل لنا أن الفيروس قد تسلل إلينا أخيرا. كنت أراقب، في أثناء تلك الدقائق، الحالة العصبية التي شملت الجميع تقريبا، فقد ارتفعت أصواتنا فجأة، واختلطت الحوارات بعشوائية، وكان كل واحد منا يحاول حل المشكلة بطريقته.. بلا جدوى.
عندما عادت الروح إلى حواسيبنا مجدّدا عدنا إلى طبائعنا الأولى، منكبين على أعمالنا بهدوء.. وشعور بالعجز والصغار أمام الشاشة.
دلالات
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.