(فيديو)ماذا تعرف عن "الركبة المغربية" التي رقصها مارادونا؟

21 ديسمبر 2015
رقصة مغربية صحراوية يوقعها الشباب بأجسادهم (العربي الجديد)
+ الخط -
الركبة رقصة قديمة يوقعها الشباب بأجسادهم المتمايلة يمينا وشمالا في شكل فرجوي يسيل الشعر عذبا رقيقا في تواطؤ جميل مع الطبيعة الخلابة لواحات وادي درعة جنوب المغرب موطن هذه الرقصة.

إنها الرقصة الشبابية التي تؤدى بشكل جماعي مصحوبة بالشعر الغنائي وقرع الطبول في المناسبات والأعراس والتظاهرات الفنية، ولعل هذا الاسم يجد تفسيره من حركة الرقصة التي تعتمد بشكل كبير على الركبة (المفصل الرابط بين الفخذ والساق)، وقد اكتسبت هذه الرقصة شهرة منقطعة النظير داخل وخارج المغرب.

الركبة قصيدة موزونة ومقفّاة

تتشكل رقصة الركبة من قصيدة موزونة، وذات قافية موحدة، قد تصل إلى ثلاثين بيتا لكن يجب ألا تقل عن الثلاثة، ولا تشترط فيها وحدة الموضوع، بل قد تتناول ثلاثة مواضيع داخل نفس القصيدة لكن يغلب عليها الطابع الغزلي. وتؤدى رقصة الركبة على مرحلتين: مرحلة لالا ومرحلة الردمة.

 

الجر أو لازمة "لالا"

تحفل الركبة بمجموعة من الإيقاعات المتنوعة التي تشكل نسيج القصيدة. وتسمى محليا بالجر، ويتم ضبط هذه الإيقاعات من خلال الإصغاء إلى عدد المرات التي تردد فيها "لالا" لازمة القصيدة.

ومن أهم إيقاعات فن الركبة: المثلث، لالة المسرحة، جر الواد، المحمودي، الحوزي.. ويشكل المحمودي الإيقاع المفضل عند المحترفين حيث يؤدى في الهزيع الأخير من الليل الذي لا يؤديه إلا المتمرسون جيدا في الغناء.

فيما تمثل "لالا" مرحلة الاستهلال أو المقدمة التي يفتتح بها الغناء وهي متوالية صوتية تتكرر أثناء الإنشاد الأولي قبل الوصول للمرحلة الثانية، وتتميز بقيام شخصين لهما باع طويل في قرض أو حفظ الشعر المحلي بإنشاد القصيدة باستثناء البيت الأخير وفق إيقاع مضبوط يفرضه وزنها. ويقوم شخصان آخران بالرد عليه بما قالاه أو تكرار مقطع "لالا" على نفس الإيقاع، أو إنشاد قصيدة أخرى لا علاقة لها بالأولى.

يمكن أن تدوم هذه المرحلة التي تشبه كثيرا مواويل الأغاني الشرقية مدة غير قصيرة. وهذا ما يساعد المتلقي على فهم واستيعاب مضمون القصيدة. وتتخلل هذه المرحلة زغاريد للنساء و"كلام موزون ذو معان عميقة تبدي فيهن النساء الإعجاب بالمحبوب أو الثناء على الأهل والأقارب وشجعان وكرماء القبيلة أو القائمين بالمناسبة، ويمكن التطرق لمختلف الأغراض من مدح ورثاء وهجاء..

ويكمن دور الزغاريد وكلام النساء الموزون في كونهما يكسران رتابة الإيقاع الواحد، ويساهمان في إذكاء حماسة المشاركين نظما وغناء.

 

الردمة وارتفاع حرارة الإيقاع

الردمة هي المرحلة الثانية التي ترتفع فيها حرارة الإيقاع ليختلف عن مستوى إيقاع الأبيات التي سبقتها من القصيدة وتستمر هذه المرحلة وقتا طويلا، وفيها يصل منشد القصيدة إلى ترديد البيت الأخير حيث يتم تمديد الصوت وترخيمه علامة على إنهاء المرحلة الأولى وبدء مرحلة ثانية، ليستعد باقي الأفراد للانتظام في صفين متوازيين ومتقابلين: أحدهما يتوسطه الشيخ، قائد الفرقة الذي يؤدي الشطر الأول من بيت الردمة، بينما يردد الصف الثاني الشطر الثاني، وبعد برهة من الزمن يعلن الشيخ بحركاته الخاصة عن انطلاق الغناء حيث يستمر المشاركون في ترديد بيت الردمة معتمدين على الأيدي والأرجل بينما يقوم شخص آخر بالضرب على الطبل (وهو دخيل على الرقصة وليس أصليا) وقد أحدث لتعويض الضرب بالأرجل لإحداث إيقاع موسيقي يوافق الرقصة.

 

الضرب بالأيدي وتوجيه الراقصين

يقود فرقة الركبة الشيخ، وهو من ينسق أداءها بدقة عالية، ويجمع مهام المؤلف والملحن والمغني، كما يؤدي الأبيات الشعرية في البداية وليس بالضرورة أن يكون ناظمها، بل إن أغلب الشيوخ حاليا هم رواة ليس إلا.

ويشتهر حاليا بهذه الرقصة الشيخ محمد القرطاوي من مدينة زاكورة بلكنته الصحراوية وخفة حركاته وابتسامته الساحرة، وبذلته البيضاء التي شكلت فسيفساء جميلة لفنان أحب هذا الفن فأبدع فيه.

يقول الشيخ القرطاوي إنه أحب هذا الفن منذ طفولته ووجد نفسه يرقص على إيقاعاته في مختلف المناسبات العائلية والأعراس، قبل أن يدخله بصفة رسمية سنة 1969، فتمكن من قيادة فرقته التي جابت مختلف أنحاء العالم وكانت سفيرة لأغنية تمتح من التراث المغربي.

يتواجد الشيخ دائما وسط الصف الرئيسي. ويتحكم في تسيير الفرقة بطرقه الخاصة كالصيحات والإشارات باليد والأرجل أو بالرأس أو بنقرات خاصة على مختلف الآلات. وهي علامات متفق عليها ومتواضع عليها داخل الفرق.

وأثناء الغناء يبتدع الشيخ قائد الفرقة أشكالا خاصة للتسيير، يسميها الشيخ القرطاوي بـ "النهيم" وهي إشارات وحركات للتنبيه، وقد يكتفي بترديد بيت الردمة كما يقوم بالضرب بالأيدي المعروف محليا بالرش، أو بالأرجل فقط أو بهما معا، كما قد يتلفظ أحيانا بعبارات خاصة وغامضة المعنى مثل "واكس كس" ويعرف منها المشاركون توقيت تغيير الإيقاع كما قد يتقدم أحد الصفوف نحو الآخر بانحناءة أو ميلان الأجساد أو انحدارها إلى الأمام سواء من طرف صف واحد أو من كليهما. كما قد يتوقف الإيقاع الموسيقي برهة من الزمن قبل استئناف الرقصة من جديد.

 

المرأة للرقص والزغاريد

يعد حضور المرأة ومشاركتها، سواء كراقصة أو مغنية أو مزغردة، تأكيدا لنجاح الرقصة. حيث تذكي الحماسة والتنافس بين الشعراء والمؤدين، لا من حيث جودة أداء القصائد المغناة، بل كذلك تحفيزا لإبداع قصائد جديدة.

ومن القصائد المغناة خلال هذه الرقصة مثلا في فن الغزل أبيات يتغزل فيها الشاعر بمعشوقته فاطمة فيصف جمال شعرها المنسدل على كتفيها ورموش العين الساحرة، وأنفها الذي وافق حسن بهائها، ويرى الشاعر أن سعيد الحظ هو من كانت فاطمة التي جمعت بين الحسن والأخلاق من نصيبه: (طالقة سبلة مثقبة العين هذبة والنيف ظريف جا على حسن بهاها/ آو في صدرها صابي باقي ما اتربى والعاشق لو كان شافها يتمناها/ لغزال فاطمة السعد من لكاها مرت لخلاك والعقيل كاع بغاها).

مشاهير رقصوا على إيقاعات الركبة

جذبت رقصة "الكدرة" بإيقاعاتها القوية والمنسجمة الكثير من المشاهير عربا وأجانب، فنانين وسياسيين ورياضيين أبدوا رغبتهم في تعلمها والتحقوا بـ "الحلقة" لينهلوا من هذا الفن، ولم يتخلف النجم الأرجنتيني دييغو ماردونا الذي شد إليه أنظار وعدسات المصورين، خلال تواجده مؤخرا بمدينة العيون (جنوب المغرب) حيث شارك قائد الفرقة الشيخ محمد القرطاوي وبعض الأعضاء بحركات عبر من خلالها عن إعجابه بهذا الفن، كما أن العديد من نجمات هوليود لم يملكن أنفسهن وهن يضربن بأرجلهن الأرض احتفاء  برقصة "الركبة".

وفي المغرب لم يُخف العديد من أهل الفن والسياسة عشقهم لهذه الرقصة ولم تمنع عبد الإله بنكيران صفته كرئيس الحكومة المغربية، وزعيم حزب إسلامي، الذي ظهر في شريط فيديو رفقة أعضاء فرقة الركبة الزاكورية بمدينة الراشدية، وهو يقاسمهم حب هذا الموروث الشعبي الجميل.

المساهمون