لم يكن أشد المتعصبين لإشبيلية يتوقع أن يتألق نجم الفريق مع الماتدور الإسباني بهذه السرعة، لكن فيكتور ماتشين بيريز أو فيتولو فعل ذلك سريعاً رفقة المنتخب، ليسجل أمام إيطاليا هدفاً مهماً بالتصفيات، في المباراة الثانية على التوالي بعد ملامسة الشباك ضد ليشتنشتاين بالمرحلة الأولى، وسط مطالبات قوية بإبقائه داخل التشكيلة الأساسية للمدرب الجديد جولين لوبيتيجي، الرجل الذي يراهن على الشباب بعد فترة طويلة من الاعتماد على أصحاب الخبرة تحت قيادة الشيخ العجوز ديل بوسكي.
لاسيغوندا
بدأ فيتولو مسيرته الكروية مع لاس بالماس، الفريق الذي ينتمي لجزر الكناري حيث مسقط رأس اللاعب. وبينما كان بوسكيتس، إنيستا، راموس، وسيلفا يقودون الإسبان رفقة تشافي وفيا والبقية إلى الفوز بمونديال 2010، كان اللاعب المغمور يخوض أولى جولاته كمحترف في صفوف بالماس بالدرجة الثانية أو "لاسيغوندا"، لكنه أصيب بقطع في الرباط الصليبي، ليقضي معظم العام في المستشفى بعيداً عن الملاعب.
توقع معظم أقرانه انخفاض بريقه سريعاً، خصوصاً بعد الغياب الطويل والإصابة اللعينة، إلا أن فيتولو عاد بقوة بعد الشفاء التام، وشارك مع الفريق الكناري في المباريات، ووصل معهم إلى الأدوار النهائية المؤهلة للصعود إلى الليغا، لكنهم اصطدموا مراراً وتكراراً بسوء الطالع، ليبتعدوا عن الصعود في أكثر من مناسبة خلال اللحظة الأخيرة.
قدم الجناح القوي موسماً استثنائياً مع لاس بالماس في 2012-2013، الموسم الأشهر على الإطلاق في دوري الدرجة الثانية، خلال السنوات الماضية، بسبب تألق عدد لافت من المواهب الصغيرة، كخيسي لاعب الريال السابق، وجيرارد ديولوفيو نجم إيفرتون الحالي، وفيتولو الذي سجل 15 هدفاً مع صناعته لعدد وافر، ليخطف أنظار مونشي سريعاً، ويراهن عليه في الفريق الأول لملوك الأندلس، على الرغم من عدم شهرته وسط الكبار.
ثورة الأندلس
يعترف مونشي بأن منافسة الأندية الإنكليزية والإسبانية أمر غاية في الصعوبة، بسبب الناحية المادية القوية لهذه الفرق، لكنه يعرف كيف يتعامل مع الأجواء الصعبة، وإذا خسر لاعب لمصلحة فريق ما، فإنه قادر على تعويضه بلاعب آخر، لأن السر ليس في شراء اللاعب، بل في تحقيق هامش ربح من بيع نجم وتعويضه باسم آخر.
ويعمل صانع أمجاد إشبيلية مع فريق كبير جداً من الكشافين في مختلف ملاعب أوروبا والعالم، ويقسم العناصر التي يراقبها إلى عدة فئات، هناك مجموعة يتم رصدها للشراء في أقرب وقت، بينما توجد أسماء أخرى تحت المتابعة من بعيد، ويتألق عدد من اللاعبين تمهيداً لضمهم بالمستقبل القريب.
وبمجرد تألق فيتولو رفقة لاس بالماس، قرر مدراء إشبيلية خطف اللاعب دون تفكير. صحيح أنه يلعب بالدرجة الثانية، لكنه يملك شخصية قوية ومهارة واضحة للجميع، لذلك كان الرهان عليه بمثابة الخطوة الصحيحة على جميع المستويات، في صيف 2013، العام الذي شهد الثورة الثانية لإشبيلية بعد فترة التألق الأولى مع خواندي راموس في 2005 و 2006.
شهدت هذه السنة بيع نجوم كبار كنافاس، غرانيرو، ميدل، وكوندوبيا، لكن مونشي اصطاد مواهب عظيمة مثل باكا وغاميرو وإيبورا وماريانو وكاريكو وفيتولو، كل هؤلاء كانوا نواة الطفرة الحقيقية التي قادها أوناي إيمري لاحتلال اليوروبا ليغ، في ثلاثة مواسم متتالية.
الجناح المركزي
لعب فيتولو مع إيمري في معظم المباريات، وسرعان ما نال ثقة المدير الفني، ليشارك أساسياً في طريقة اللعب 4-2-3-1، من خلال قدرته على شغل مركزي الجناح على الخط، وصانع اللعب الحديث في المركز 10 بالملعب، بسبب قوته في القطع من الخلف إلى الأمام، وتميزه فيما يخص التمرير وصناعة الفرص، مع قوة تقنية ساعدته على هزيمة المدافعين، إما بالمهارة أو بالتمركز الذكي في وبين الخطوط.
يقول إيمري عن هذا الجيل الذهبي لإشبيلية، "إنهم مجموعة من الأفضل، يعملون بجد وتركيز في المباريات والتدريبات، ما يميز فيتولو أنه يخدم الفريق أولاً، ويوظف موهبته الفردية داخل بوتقة اللعب الجماعي، لذلك يلعب فيتولو وإيبورا في الخانة الأساسية. أما لاعب مثل ديولوفيو، ربما يمتاز بموهبة أعلى، لكنه لا يضحي للفريق، ويلعب بأسلوب جمالي زائد عن الحد".
قام الجناح القوي بدور صانع اللعب على الرواق، يستلم الكرة أمام الظهير بعيداً عن العمق، ويمرر بشكل طولي تجاه المهاجمين، أو يقطع بطريقة قطرية من الطرف إلى داخل الملعب. ومع رحيل إيمري وقدوم سامباولي، وضع الأرجنتيني كامل رهاناته على الجميع وأولهم فيتولو، ليتحول معه إلى "جوكر" يشغل كافة مراكز الوسط والهجوم، مما جعله مرشحاً للتمثيل الوطني.
المنتخب
جاء لوبيتيجي بأفكار شابة إلى المنتخب، من خلال استراتيجية الضغط العالي الذي طبقه في مباراة إيطاليا، واستخدامه لطريقة لعب 4-3-3، بتواجد بوسكيتس وكوكي وإنيستا في المنتصف. مع كوستا وسليفا وفيتولو في الأمام. واستفاد جناح إشبيلية من تشابه الخطة بين منتخب بلاده وفريقه الأندلسي ببطولة الليغا.
إذا كان إيمري أول مدرب أعطى فيتولو الفرصة وسط الكبار، فإن سامباولي أضاف له بعداً تكتيكياً جديداً، كالضغط القوي على المدافعين، والتحول من مركز إلى آخر دون عناء، فاللاعب يشارك مع المدرب الجديد في مراكز الجناح، وسط الريشة، المهاجم الوهمي، ولاعب الارتكاز في بعض الأحيان، مما يجعله في وضعية أفضل أمام زملائه.
وعملاً بمقولة "لكل مجتهد نصيب"، فإن تألق فيتولو الحالي يتيح الفرصة أمام اللاعبين الشبان للإيمان بأنفسهم وفرصهم، وحتى وإن كان الهدف في مرمى بوفون جاء عن طريق هفوة غير معتادة، إلا أن اللاعب الكناري قدم أداء واثقاً وصنع العديد من المحاولات، ليثبت أن النجاح قرار مهم طال انتظاره.