تسيطر على الشاب المصري أحمد خالد، حالة من فقدان الرغبة في شرب مياه الصنبور، منذ علم بخبر غرق ناقلة نهرية تحمل 510 أطنان من الفوسفات، في مياه نهر النيل في محافظة قنا جنوب مصر (تبعد 650 كيلو متراً عن القاهرة). رفض أحمد أن يتناول أطفاله الثلاثة مياه الصنبور، طلب من زوجته إضافة بند توفير مياه معدنية إلى ميزانيتهم المنهكة.
يرفض محمود رمضان -جار خالد- أن يسلم نفسه إلى حالة الهلع التي انتابت صديقه وعائلته، إذ سبق أن شهد نهر النيل، المصدر الأول لمياه الشرب في مصر عدة حوادث مشابهة، لواقعة الفوسفات خلال الأعوام الماضية.
6 وقائع مشابهة
وثقت "العربي الجديد" كافة وقائع الإهمال التي شهدها النهر خلال السنوات الماضية، ففي شهر أكتوبر/تشرين من عام 2012، تسربت بقعة من الزيت بشكل مفاجئ في نهر النيل قرابة سواحل مدينة البوصيله بأسوان (جنوب مصر)، وصل قطر البقعة إلى 5 كم، وهو ما أدى إلى قطع مياه الشرب عن المدينة وكافة المناطق التابعة لمحافظة أسوان بسبب إيقاف محطات مياه الشرب.
في شهر مارس/آذار من عام 2014 تسربت بقعة زيت في النيل، بطول 500 متر بلغت مساحة البقعة 500 متر في 10 أمتار متقطعة، ونتجت عن أحد المراكب السياحية الموجودة بمرسى كورنيش النيل بأسوان، وتحركت البقعة من مدينة أسوان إلى مدينة إدفو في صعيد مصر، عبر مياه نهر النيل.
شهدت بداية العام الجاري في شهر يناير/ كانون الثاني، واقعة أكثر خطورة، إذ تسربت بقعة سولار إلى مياه نهر النيل للمرة الثانية في أقل من أسبوع، ما أدى إلى انقطاع مياه الشرب عن عدة مناطق في محافظة الأقصر عدة أيام، لينتهي الأمر بإيقاف عمل المحطة الرئيسية للمدينة عن العمل.
في شهر مارس من العام الجاري، وقعت حادثة تسرب من سفينة شحن ترفع علم ليبيريا في مياه البحر الأحمر، إذ تسببت السفينة في كسر الخط الرئيسي لتصدير الزيت الخام، أثناء رسوها على الرصيف البحري لميناء الشركة العامة للبترول، وأسفر الحادث عن تسرب كميات من الزيت الخام لمياه البحر وحدوث تلوث بترولي، قدرت بقعة الزيت الناتجة، بما يقارب مساحة 6 إلى 10 أمتار مكعبة، وقدرت اللجنة المشكلة من جهاز شؤون البيئة في محافظة البحر الأحمر أن القيمة المادية لمعالجة آثار الأضرار، تصل إلى مليون ونصف مليون جنيه مصري.
في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2012 ، تسبب تسرب مخلفات بترولية في نهر النيل بواسطة أحد المصانع بنجع حمادي، في تكوين بقعة زيت بترولية بعرض حوالي 50 متراً وبطول حوالي 1 كم.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري، ظهرت بقعة زيت في فرع النيل بالقرب من إيتاي البارود في محافظة البحيرة (غرب الدلتا)، نتيجة وقوع حادث لسيارة محملة بالزيت عند منطقة التوفيقية، مما تسبب في تسريب بقعة زيت إلى المياه وتلوثها.
خوف متصاعد من نتائج الحادثة
احتل هاشتاج #فوسفات_فى_النيل، المركز الأول في قائمة الوسوم الأعلى تداولاً، اليوم الأربعاء، في مصر، بعد تداول خبر غرق الناقلة مباشرة، ووصف المغردون الحادث بـ"الكارثة"، محذرين من ضرر الفوسفات في جسم الإنسان حال تناول ماء أو طعام ملوث به، وهو ما يتفق معه محمد محمود، مستشار المركز القومى للسموم، الذي أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "واقعة تسرب 500 طن من الفوسفات فى مياه نهر النيل له تأثير أساسي على التوازن البيئي"، محذراً من أن عدم تنقية المياه من الفوسفات بشكل علمي، سيؤدي إلى حدوث مضاعفات على الأطفال والأشخاص المصابين بمشاكل فى الكلى، عند تناولهم للمياه، وستنتهي بأغلبيتهم إلى تعرضهم لحالات تسمم حاد متمثل فى نزلة معوية، أو تسمم مزمن والذى سيكون تأثيره على الكلى مباشرة.
أضاف محمود، أن التأثير لا يقتصر على من يشربون مياه النهر فقط، إذ يمتد تأثير الفوسفات إلى الكائنات البحرية كالطحالب والطفيليات والأسماك، وقد ينتج عنه موت بعضها لأنها تتغذى عليه.
من جانبه، يرى الدكتور حلمي الزنفلي، الأستاذ في قسم بحوث المياه بالمركز القومي للبحوث أن الحل الوحيد للمشكلة الحالية يكمن في محاصرة المنطقة التي تحيط بها التسريبات من الصندوق الغارق والمُحمل بالفوسفات من مياه النيل، محذراً من التهاون والتساهل في هذه المسألة لعدم القدرة على الاستغناء عن المياه في الحياة اليومية.
الرد الحكومي
في سياق متصل، خرج أول رد حكومي تجاه الواقعة بعد 48 ساعة من انتشار أخبارها في وسائل الإعلام، إذ صرح وزير الموارد المائية والري، حسام مغازي، أنه تم سحب عينات من المياه في مكان الحادث، بواسطة وزارة الري وشركة مياه الشرب، وظهرت نتائج العينات مطابقة للحدود المسموح بها، قالا "لا يوجد أي تغير في نوعية المياه، وجارٍ متابعة الموقف بالتنسيق مع فرع وزارة البيئة بقنا والمحافظة ووزارة الري".
تجاهل تطبيق القانون
ينص قانون حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث الصادر برقم 48 لسنة 1982، في المادة (2) منه على حظر صرف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية من العقارات والمحال والمنشآت التجارية والصناعية والسياحية فى مجاري المياه على كامل مسطحاتها إلا بترخيص من وزارة الري. وتنص المادة (7) من نفس القانون على أنه يحظر على الوحدات النهرية المتحركة والمستخدمة للنقل أو السياحة أو غيرها، السماح بتسرب الوقود فى مجاري المياه.
يرى الدكتور أحمد يسري، عضو مركز مكافحة التلوث بالزيت، التابع لوزارة الدولة لشؤون البيئة والهيئة المصرية العامة للبترول، أن تكرار هذه الحوادث هو تجسيد للإهمال المنتشر في كافة أجهزة الدولة، مؤكداً أن الدولة تتجاهل تطبيق القوانين المنصوص عليها في الدساتير.
وأضاف يسري في تصريحات لـ"العربي الجديد": "أن الحل يكمن في القضاء على كافة بؤر الإهمال المؤدي إلى التلوث في هذه المحافظات، وإلزام أصحاب المراكب والشركات بقوانين حاسمة، محذراً من أن هذه التسريبات المتكررة ستؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير مياه الشرب بشكل قد ينتهي بالأمر إلى كوارث بشرية، طالما لم توفق الحكومة ووزارة البيئة إلى هذا الأمر.