قبل أسابيع قليلة، خصوصاً قبل "الثلاثاء الكبير" في 3 مارس/ آذار الحالي، كان اليساري بيرني ساندرز متقدماً على باقي المرشحين في السباق الرئاسي للحزب الديمقراطي الأميركي، ومن ضمن توقعات الخبراء في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كان احتمال مواجهة ساندرز للرئيس دونالد ترامب في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل طاغياً على ما عداه، حتى أنهم توقعوا استمرار ترامب لولاية ثانية في معركته مع ساندرز. لكن جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، استعاد زخمه في "الثلاثاء الكبير" أولاً، ثم أول من أمس أيضاً، الذي يعرف بـ"الثلاثاء الكبير الثاني"، وذلك من خلال فوزه بسلسلة انتخابات تمهيدية، ما أفسح المجال له للتقدم على ساندرز من جهة، فضلاً عن حصوله على دعم عددٍ من المرشحين المنسحبين من جهة أخرى. ويدفع كل ذلك العديد من المتابعين، من صحافيين وكتّاب إلى التأكيد على أن احتمال هزيمة ترامب في 3 نوفمبر بات أكبر من قبل، معلّلين ذلك بسلسلة مؤشرات، خصوصاً أن تراجع الاقتصاد بفعل فيروس "كورونا" أصبح محتوماً، ليخسر بذلك واحدة من أهم أدوات الترويج التي يعتمد عليها، فضلاً عن انتهاء رصيد "المظلومية" التي رفعها ترامب شعاراً له خلال فترة محاكمته في الكونغرس.
بالنسبة للكاتب إي. جاي. ديون جونيور في "واشنطن بوست"، فإن "العام 2020 مختلف تماماً عن عام 2016، وهو ما يعني أنباء جيدة لبايدن وسيئة لساندرز، ومزعجة لترامب". ومع توقعه بحسم بايدن المعركة ونيل ترشيح الحزب الديمقراطي لمواجهة ترامب، اعتبر أن فوز نائب الرئيس السابق في ولايات مثل ميشيغن وميسيسيبي وميسوري، جعله في موقع أقوى من موقع المرشحة السابقة لدى الديمقراطيين، هيلاري كلينتون في عام 2016. ورأى ديون أن ما يجب أن يعزز خشية أنصار ترامب من بايدن، هو فوزه في المقاطعات الصغيرة في ميشيغن، التي سبق أن خسرتها كلينتون أمام ساندرز عام 2016. مع العلم أن ترامب فاز في حينه في الانتخابات الوطنية عام 2016 على كلينتون في ميشيغن (16 ناخباً كبيراً في انتخابات 2016)، بفارق 10 آلاف صوت فقط. وذكر غريغ دينيس من "ماونتن تايمز"، أن ترامب خسر شعبياً بفارق نحو 3 ملايين صوت في عام 2016، لكنه فاز بولايات ميشيغن وبنسيلفانيا وويسكونسن، بفارق 80 ألف صوت فقط. أما جايك نوفاك من "سي أن بي سي"، فاعتبر أن على من يريد التغلب على ترامب، عليه أن يهزمه في الولايات المذكورة. وأضاف أن مجموع الأصوات الناخبة الكبيرة في هذه الانتخابات هو 46 صوتاً، وإذا تمّت إضافة فلوريدا إليها، بناخببها الكبار الـ29، فإن أي مرشح ديمقراطي سيحقق فوزاً كاسحاً.
من جهته، يتوقع المحلل السياسي الاستراتيجي لدى الديمقراطيين، جيمس كارفيل، هزيمة ترامب. وانطلاقاً من عمله السابق في حملة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ذكر كارفيل، في مقابلة له مع شون رايمزورام لبودكاست "توداي إكسبلايند" على "فوكس"، أنه لا يشعر بالمفاجأة بفوز ساندرز في كاليفورنيا، معتبراً أن الأخير لا يملك علاقة مع قاعدة مهمة لدى الديمقراطيين وهم الأفارقة الأميركيون. ورداً على سؤال حول كيفية إقناع من انتخب ترامب في 2016 أن ينتخب بايدن هذه المرة، رأى كارفيل أن الناخبين لم ينسوا كيف انتخبوا ترامب ثم ذهب مباشرة إلى منتدى دافوس الاقتصادي، وقال إنه سينهي مشروع الرعاية الصحية. وأفاد بأنه تمّت إضافة تريليون دولار على الدين العام الأميركي، والأمر ليس جيداً على الإطلاق. كما تمّ إهمال أي تحسين بيئي، وتحوّلت الحكومة إلى فريق مساند لمصانع الأسلحة. ورأى أنه تمّ وضع الأميركيين في مواجهة بعضهم البعض، حيث قال ترامب لأميركيين إنه "يجب عودتهم من حيث أتوا"، معتبراً أن هذا الكلام "أكثر شيء منفر يمكن أن يقوله أي شخص في هذا البلد".
وبالنسبة إلى الكاتبين لوريل بليس، وبراين شافنر في "فوكس"، فقد توقعا عدول 10 في المائة ممّن انتخبوا ترامب في عام 2016 عن انتخابه في العام الحالي. وإذا كان ترامب قد تمكن في حينه من اقتناص الفوز بفعل تحوّل العديد من الناخبين الذين كانوا في الأساس في صفوف أوباما إليه، ورفضهم التصويت لهيلاري كلينتون، فإن الأمر سيكون مختلفاً في العام الحالي. فواحد من 10 ناخبين ممن اقترعوا للرئيس الحالي لن ينتخبوه مجدداً، وفقاً لمحللين متابعين. واعتبر الكاتبان أن على الديمقراطيين التوجّه بحكمة إلى هذه الفئة من الناخبين. وباعتماد إحصائية مبنية على دراسات دورية لشركة "يوغوف"، تبيّن أنه من أصل 18 ألف ناخب منحوا أصواتهم لترامب في 2016، فإن نحو 1800، أي 10 في المائة منهم، مستعدون للاقتراع ضده. 4 في المائة من هؤلاء قرروا التصويت لمرشح ديمقراطي، بينما يبقى 6 في المائة مترددين. وأعلن 94 في المائة ممن اقترعوا لمصلحة كلينتون في عام 2016، نيتهم الاقتراع لمصلحة أي مرشح ديمقراطي، بينما قرر 2 في المائة من هؤلاء التصويت لمصلحة ترامب، فيما لا يزال 4 في المائة من هؤلاء مترددين.
وفي وقتٍ حافظ فيه ترامب على ولاء الفئات العمرية الكبيرة، خصوصاً بعد ادّعائه "المظلومية" في المحاكمة الأخيرة ضده ومحاولة عزله على خلفية فضيحة "أوكرانيا غيت"، فإن 7 في المائة من فئة "العائلات الكثيرة الإنجاب" سيتخلون عنه في العام الحالي، كما خسر الرئيس الأميركي دعم العديد من الفئة العمرية ما دون سنّ الـ40، فـ20 في المائة من هؤلاء قرروا التخلي عنه، مع تأكيد 9 في المائة من هؤلاء نيتهم دعم أي مرشح ديمقراطي. كما حصل ترامب على دعم ثلث مواليد "الجيل زي"، أي مواليد التسعينيات من القرن الماضي، حتى أن هذه الفئة التي دعمت ميت رومني في الصفوف الجمهورية، ترفض التصويت لترامب. لكن إحجام هؤلاء لا يعني بالضرورة تصويتهم لمرشح ديمقراطي.
كما يعاني ترامب من خلافات داخل القواعد الناخبة له، إذ إن بعض هؤلاء يتفقون مع الأجندة الديمقراطية. ويدعو ثلثا المنتمين إلى هذه القاعدة إلى حظر التمييز على أساس الجنس، ويعارضون تخلّي ترامب عن اتفاقية باريس للمناخ، ما يضعه في مواجهة مع جزء من القاعدة نفسها. وفي ملف الرعاية الصحية، تنقسم قاعدة ترامب الناخبة، فإلى ما يُمكن اعتباره "يسار الرئيس الأميركي"، يصطف البعض ممن يؤيدون خطة ساندرز للرعاية الصحية، الهادفة إلى تكفل الحكومة بدفع تكاليف الرعاية الصحية الأساسية للسكان، اعتماداً على نظام الدافع الواحد. لكن أكثر من 70 في المائة من هؤلاء يؤيدون خياراً عاماً للتأمين الصحي يسمح للناس بالاحتفاظ بتأمينهم الخاص. وفي ملف الهجرة، يعتبر بليس وشافنر أن ناخبي ترامب يدعمون المفاضلة التي كانت أساساً لمقترحات شاملة لإصلاح الهجرة، أي زيادة أمن الحدود مع منح المهاجرين غير الشرعيين الموجودين بالفعل في الولايات المتحدة طريقاً إلى المواطنة.