تنقل صحيفة "لو كنار أونشينيه" الفرنسية الساخرة، في عددها الصادر أخيراً، أن زعيم حزب "سيريزا" اليوناني، ألكسيس تسيبراس، بعث في التاسع من مايو/أيّار 2012، رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، هنأه فيها بالانتصار في الانتخابات الرئاسيّة. وضمّن تسيبراس رسالته أملاً في "تعاون الحزب الاشتراكي الفرنسي مع اليسار اليوناني من أجل أوروبا اجتماعيّة، متحرّرة من إجراءات التقشّف الصارمة ومن إكراهات العقد المالي، والتي توجد الأجوبة عليها في صميم برنامجكم وفي برنامج قِوَى اليسار".
ويبدو أنّ الزعيم اليوناني الشاب، كان يُراهن حينها على هولاند، الذي تجرأ على التصريح أمام عشرات الآلاف من مناصريه، بأنّ "عالَم المال هو عدوي". لكنّ الأخير لم يجد ما يردّ به على تسيبراس، أو فرصة للقائه على رغم مرور سنتين ونصف السنة من عهده، كما لم يعبّر عن تضامنه مع الشعب اليوناني في محنته، التي أطلق عليها تسيبراس تسمية "الهولوكوست".
لكنّ الأمور اختلفت الآن. فالزعيم اليوناني المعارض أصبح رئيساً للوزراء، ويَحظى بشعبيّة جارفة، ما حدا بهولاند إلى القول إنّ "انتصار تسيبراس يفتح جبهة معادية للتقشّف، تسير في الاتجاه ذاته الذي أدافعُ عنه منذ انتخابي". وتلقَّف رئيس الوزراء مانويل فالس الفكرة ذاتها، ليشير إلى أنّ تسيبراس قريبٌ من المواقف التي طوَّرَها الرئيس هولاند منذ 2012، على كل حال، هي أقرب من أفكار ميلونشون"، في إشارة إلى زعيم جبهة اليسار الفرنسيّة جون لوك ميلونشون. يعترف فالس بأنّ الموقف من المستجدّ اليوناني صعب، "فإذا غرقت اليونان، أوروبا هي التي ستَهْوي، وإذا خرجت اليونان من محنتها، فاليسار المتطرف سيصبح تهديداً لكلّ الدول الأوروبيّة".
ولا شكّ بأنّ الانتصار اليوناني يضع الاشتراكيين الفرنسيين في مأزق حقيقي، فهم مُكبَّلون بالتحالف الفرنسي الألماني، إذ لا وجود للاتحاد الأوروبي من دون الثنائي الفرنسي الألماني، وهي لاَزِمَة دائمة يدافع عنها كل الساسة الفرنسيين والألمان، منذ بدايات الاتحاد الأوروبي. كما أنهم مُكبَّلون بسياسة ليبرالية، لا يريدون التصريح بها، لكنّها موجودة وتمثّلها الإجراءات الاقتصادية التي ينفّذها وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون وفالس.
لهذا السبب، يعتبر هولاند أنّ "من مصلحة اليونانيين ألا يهاجموا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بل أن يُركّزوا على هذا التفويض الشعبي اليوناني"، قبل أن يستخلص أن "انتخاب تسيبراس عنصر إضافي من أجل التأثير على تطور السياسة الاقتصاديّة، ويَضَعُني في وضعيّة مركزيّة على المستوى الأوروبي".
ولا يتوقف الاشتراكيون الفرنسيون عن تذكير الحكومة اليونانيّة الجديدة، بتنفيذ التعهّدات السابقة، ويرفضون جميعاً، أيّ تأثير للانتصار اليوناني على الحزب الاشتراكي الفرنسي، مركّزين هجومهم على تنامي شعبيّة حزب "الجبهة الوطنيّة" المتطرف، الذي تمنحه مختلف استطلاعات الرأي حضوراً في الدور الثاني من رئاسيات 2017، وهو ما لا يريد الاشتراكيون تصوّره، وخصوصاً أنّه يعيد للأذهان إقصاء مرشحهم الرئاسي ليونيل جوسبان سنة 2002.
ولم يتأخّر رئيس الحزب الاشتراكي، جان كريستوف كامباديليس، خلال اجتماع لمسؤولي حزبه، يوم الأحد الماضي، في الإشارة إلى تحسّن العلاقات ببن الحكومة والحزب الاشتراكي، بسبب تكريس "مسافة جيدة ما بين التضامن والخصوصية". وتعدّ رسالة مبطنَة لكل الرافضين لسياسات فالس الليبرالية، سواء من "المتمردين"، أو من أنصار مارتين أوبري، الذين لا يمكن أن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الدينامية اليونانية الجديدة.
من جهة أخرى، يُراهن ميلونشون، من جبهة اليسار، على اختفاء الحزب الاشتراكي الفرنسي، على غرار اختفاء حزب الباسوك في اليونان، وكذلك الهزيمة المعلنة للحزب الاشتراكي الإسباني. وفي تصريحات لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، لم يتردّد في إبداء استعداده للترشّح إلى الرئاسيات عام 2017، في ظلّ اتفاق يجمع الحزب الشيوعي والأحزاب البيئية وتشكيلات يسارية ومُواطِنَة أخرى. وينوّه إلى أن "الحزب الاشتراكي الفرنسي نجمٌ ميّتٌ. وأن أُطره معزولة عن المجتمع الفرنسي. فهم يُراهنون على نموّ لا محدود في عالم غير موجود. وهم عبارة عن اجتماعيين ليبراليين حُجَّتهم الوحيدة "التصويت المفيد". ويرى أن "أهم ترشيح سنة 2017 سيكون الجمهورية السادسة، حيث سيُعيد الفرنسيون تأسيس بلدهم من خلال تحديد دستور جديد. ويمكن للفكرة أن تَجمع من كل الآفاق، وإلّا فإن الخَرابَ مُؤكَّدٌ. "تأثيرات فوز سيريزا على فرنسا، وعلى اليسار الفرنسي، ليست سوى في بداياتها.