فوبيا المطر... الأضرار تخيف التونسيين من الشتاء

25 أكتوبر 2018
مشاهد مرعبة بحقّ في بن عروس (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

الأمطار في تونس ليست طارئة، لكنّ الآثار المدمرة التي تتركها في الفترة الأخيرة، جعلت التونسيين يتوجسون شراً منها ومما ستجرّه عليهم من كوارث محتملة. بذلك، باتت أمطار الخير سبباً للخوف الذي يصل في بعض الأحيان إلى حدّ الفوبيا

يتابع التونسيون منذ أيام أخباراً غير مألوفة حول طائرات من دون طيار، وفرق غوص تتوغل في مياه الأودية (الأنهار) تبحث عن مفقودين، وجسور تنهار، ومدن تغرق، وأمطار اعتادوا استقبالها على امتداد أشهر تهطل في خلال ساعة أو ساعتين، ما يحوّل الأبصار إلى السماء مع أول سحابة في السماء، ويدفع للاستماع إلى نشرات الرصد الجوي.

هناك ما تغيّر في علاقة التونسيين بالأمطار، فتونس الخضراء ليست تاريخياً منطقة جافة وخصوصاً شمالها، وفصل الشتاء يدوم أشهراً طويلة عادة، وفلاحوها ومواطنوها يحبّون المطر فالبلاد زراعية. لكنّ ما حدث من كوارث ومآسٍ في السنوات الأخيرة غيّر هذه العلاقة، وكشف عن نظرات خوف وتوجّس جديدة لا يُفصح عنها صراحة، بالرغم من أنّ سكان الجهات الأكثر تضرراً باتوا قلقين من كلّ موجة سحب داكنة تقترب من سمائهم.

تؤكد جليلة، وهي أرملة من محافظة القصرين، أنه كلما هطلت الأمطار تسربت المياه الى بيتها من الجدران والسقف والباب، وسرعان ما تغمره. وهو ما جعلها تعيش كابوساً حقيقياً اسمه الأمطار. تضيف لـ"العربي الجديد" أنها أمضت ليلة الأمطار الأخيرة في محاولة إخراج المياه التي غمرت أثاث بيتها وبعثرت محتوياته، فاستغاثت لكن من دون جدوى، فأجهزة السلطة المحلية منشغلة بمناطق أخرى منكوبة، ما اضطرها إلى إخراج الماء بواسطة دلو. لكنّها كلما همّت بإزالة القليل تضاعفت الكميات. تضيف جليلة، أنها بقيت حائرة طوال ساعات لا تعرف هل تستسلم أم تبقى تصارع المياه. تتابع أنها تعيش اليوم في خوف مستمر، كلما تغيرت الظروف المناخية وهطلت الأمطار، لأنها لا تخشى تسرب المياه فقط بل تتوجس من تداعي بيتها بأكمله وسقوطه عليها وعلى أولادها.

بدوره، يؤكد سالم بن محمد (70 عاماً) أن الأمطار التي شهدتها تونس لم يسبق له مشاهدتها من قبل، خصوصاً مع غزارتها وكمياتها المسجلة. يشير إلى قدرة هذه الأمطار الكبيرة على إغراق الشوارع والبيوت في وقت قصير، وهو ما منعه من المجازفة بالخروج من البيت، مؤجلاً مختلف شؤونه، خصوصاً مع خشيته من تعطل وسائل النقل. يتابع بن محمد، أنّه مع ذلك بقي خائفاً من احتمال تسرب المياه إلى غرفته، أو فيضان قنوات صرف المياه، إذ كثيراً ما تعجز عن استيعاب كميات المياه الكبيرة، مبيناً أنّ "الوضع يستدعي الحذر، فالشتاء على الأبواب ولم نبلغ بعد شهر يناير/ كانون الثاني".

في تونس العاصمة (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 


تؤكد فرح، وهي طالبة، أنّها تخشى صوت الرعد، فهي لم تذق النوم طوال ليلة الأمطار الأخيرة بسبب كثرة الزوابع، مشيرة إلى أنّ لديها أيضاً ما يشبه رهاب (فوبيا) الصواعق، إذ تخشى طوال وقت العواصف والأمطار احتمال إصابتها بصاعقة. كثيراً ما تضطر إلى إغلاق النوافذ بالكامل، ووضع حواجز بالقرب منها. تضيف أنّها عجزت عن مغادرة الجامعة ببرج السدرية حيث وصلت المياه إلى أغلب الأقسام وكانت تغمر محيط الجامعة، وهو ما عطل وصول سيارات الأجرة أو الحافلات، وقد اضطرت إلى المشي عدة كيلومترات للوصول إلى محطة القطار.

فيضانات نابل، والأحوال الجوية السيئة في 19 محافظة من أصل 24، نبّهت التونسيين إلى أنّ شيئاً تغيّر في سمائهم التي أصبحت ترسل الأمطار غزيرة، لكنّ أرضهم ليست مجهزة لاستقبالها. أدت الكوارث إلى غرقى ومفقودين وانهيار جسور، وتحول طرقات إلى أنهار استخدم فيها الدفاع المدني زوارق مطاطية للتنقل، كما بات خبراء الأرصاد الجوية نجوماً على وسائل الإعلام، وتصدرت نشرات الطقس قائمة اهتمامات المواطنين.



رئيس مصلحة الاتصال في المعهد الوطني للرصد الجوي، محرز الغنوشي، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الأحوال الجوية التي عاشتها تونس العاصمة في الأيام الأخيرة، وقبل ذلك في محافظة نابل، استثنائية، خصوصاً أنّ كميات الأمطار اقتربت من مستويات قياسية في العديد من الجهات.

يوضح أنّ المعهد الذي يملك سجلات للخمسين سنة الماضية، سجل في محافظة نابل خلال 24 ساعة تحديداً في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي أمطاراً وصلت إلى 297 ملم، وهو ما يتجاوز معدل الكميات المسجلة في تونس طوال شهر كامل، إذ لا تتجاوز 167 ملم. ويبيّن أنّ مثل هذه الأحوال الجوية تعدّ متطرفة، وتظهر فيها محدودية العلم لأنّ أغلب التوقعات تكون بناءً على الأحوال الجوية السابقة، المتبوعة بمجموعة من السيناريوهات المحتملة.

ويفيد أنّه لوحظ اهتمام كبير من التونسيين بالرصد الجوي في الفترة الأخيرة، وأصبح المواطن بدوره يبحث عن المعلومة الجوية سواء بالاتصال مباشرة بالمعهد، أو عبر وسائل الإعلام التي تسعى بدورها إلى إيصال مثل هذه المعلومات إلى المواطنين.

يقول الغنوشي إنّ العمل تشاركي، فهناك تونسيون يوصلون المعلومات والمعطيات للمعهد ويحاولون نقل ما يحصل في مناطقهم، مضيفاً أنّ مخاوف البعض من الأمطار قد تكون مفهومة في ظل انتشار المعلومة، خصوصاً مع الدور الذي تؤديه مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك يشير إلى أنّ بعض الأخبار الزائفة قد تثير مخاوف التونسيين، ومنها الحديث عن أعاصير قد تضرب تونس.

يقول الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي سفيان الزريبي لـ"العربي الجديد"، إنّ الخوف يعدّ من المظاهر الطبيعية، وهناك من يخاف من البرق والرعد والأمطار خصوصاً إذا كانت غزيرة، لكن في بعض الحالات يصل الأمر إلى حدّ الرهاب، وقد يظهر ذلك في الكوارث الطبيعية. يتابع الزريبي، أنّ تلك المظاهر الطبيعية ليست هي التي تخيف الإنسان بالضرورة بل رؤية غيره خائفاً أو مشاهدته برامج تنقل الكوارث والخسائر المسجلة بنوع من التهويل، عندها يشعر بالخوف. يضيف أنّ الخوف ظاهرة اجتماعية أكثر مما هي شخصية.



ويشير أنّ في أغلب الحالات يضمحل الخوف تدريجياً وتمحى مظاهر الكوارث من الأذهان بمرورها، باستثناء بعض الحالات العصابية التي تبقي لدى الأشخاص الرهاب الذي قد يلازمهم فترة، وقد تتطور الحالة. ويلفت إلى أنّ من يشعر بمثل هذا الخوف فعليه أن يتحدث مع الآخرين عن ذلك من دون أن يكتمه، ما يحدّ من الخوف، أما إذا كتم إحساسه فقد تتطور حالته إلى رهاب.

في المقابل، يدعو الزريبي إلى عدم تهويل بعض الكوارث الطبيعية، ونقل أخبارها بكلّ موضوعية، لأنّ التهويل قد يعزز ويحفز الإحساس بالخوف لدى البعض.
المساهمون