فوبيا الدولة المدنية

12 مايو 2016
سوّقت الحكومة التعديلات باعتبارها تَوجُّه للدولة المدنية(عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -
يشهد الأردن نقاشاً عميقاً حول هوية الدولة التي يدعي النظام الحاكم أنها مدنية ديمقراطية، بينما يصرّ الناشطون المدنيون على أن هذه الهوية تنحرف إلى أشكال بدائية تسبق تكوين الدولة حتى.
النقاش الدائر ليس جماعياً تتداخل فيه أصوات مكونات المجتمع الأردني على اختلاف ثقافاته بل ثنائياً بين سلطة الحكم المدافعة عمّا تدعيه والنخبة الطامحة إلى المدنية وما هو أكثر باتجاه العلمانية. ثنائية تجعل النقاش غالباً تسويقاً كاذباً تمارسه الدولة لتحسين صورتها أمام المانحين أو ترفاً فكرياً تمارسه النخبة، وفي كلتا الحالتين يثير النقاش مخاوف الأغلبية الصامتة ويحرض القوى التقليدية المحافظة لاستغلال نفوذها لعرقلة التوجهات المدنية الخجولة.
سوّقت الحكومة جميع التعديلات التي أدخلت على التشريعات الناظمة للحياة السياسية خلال العامين الماضيين على اعتبارها تعديلات تسير بالبلاد نحو الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وصنفت المزايا الخدمية التي منحتها لأبناء الأردنيات والتي لا ترتقي لاعتبارها حقوقاً مدنية، ولا تؤسس لحق الأردنية في منح الجنسية لأبنائها، في ذات التوجه نحو مدنية الدولة. كذلك فعلت مع قرارها إخفاء خانة الديانة عن البطاقة الشخصية، وهي خطوات أثارت ذعر قوى الشدّ العكسي التي قاومتها وحرضت عليها الرأي العام بعدما رأت فيها عبثاً بهوية الدولة ومنظومتها القيمية، كما أثارت أيضاً حنق دعاة الدولة المدنية التي اعتبروها أقل من خطوة في رحلة الألف ميل.
بالاستناد إلى نصوص الدستور، وبالنظر إلى هيكل النظام والقوانين السارية، فإنّ الأردن دولة مدنية، لكن بالتطبيق تتجلى الاختلالات التي تمنحها هوية متعددة إلا المدنية. الحوار الثنائي بين السلطة بكل خجلها والنخبة المدنية بكل جرأتها، بدأ يتسلل إلى المجتمع الأردني على شكل رسائل ذات دلالات سلبية تثير ذعره وتجعله يتخندق في مواجهة الدولة المدنية، ما يستدعي البحث عن معادلة تصبح فيها الدولة أكثر جرأة في الدفاع عن توجهاتها والناشطين أكثر تعقلاً في مطالبهم. معادلة ترتكز على العدالة وسلطة القانون وتكافؤ الفرص التي تمثل مطلباً جميعاً، وتتلافى لو مرحلياً القضايا الخلافية خاصة المتعلقة بالدين.
المساهمون