الجميع ربّما رأى الدجاج في الحقل أو القفص وهو يبحث بقدميه عما يلتهمه بين التراب. لكن ما لم يشاهده كثيرون، هو كيف يقوم النحام أو البشروش (فلامنغو) بضرب قدمه على القاع في المياه الضحلة كي يعكر المياه بجزيئات المواد الغذائية الناتجة عن ضرب الأرجل في الطين، ثم يقوم بتصفية هذه الجزيئات بمنقاره المزود بفلتر يساعده على تناول المغذيات الدقيقة كالقشريات التي تحتوي على مادة البيتا كاروتين التي تصبغ ريش النحام باللون الأحمر.
ومن بعض الأنواع طيور خواضة تقوم بنبش ورفع الطحالب من المياه إما بأصابع قدمها أو بمنقارها المعقوف إلى الأعلى ومن ثم تتناولها. تشتهر بعض أنواع الطيور بقوة سمعها حتى أن السمن مثلاً يسمع حركة الديدان تحت التراب. لكن الأغرب من ذلك هو أن بعض هذه السمامن تستخدم إطلاق الريح كوسيلة نفخ على أوراق الشجر اليابسة لكي تكشف الديدان المختبئة تحت أكوام الأوراق وتأكلها. هذه الوسيلة مثبتة علمياً إذ يقال أيضاً أن إطلاق الريح يحث الديدان على الحركة، الأمر الذي يسهل على السمن اكتشافها. لكن يبقى السؤال المحير: "ماذا تأكل هذه السمامن حتى تتكون لديها غازات الأمعاء المنتجة للريح؟". من ناحية أخرى، نجد أن العقاب قصيرة الأصابع التي تعيش على اصطياد الأفاعي على ارتفاع 100-150 متراً فوق الوديان، وهي تطير بنفس سرعة الهواء الذي يواجهها كوسيلة لكي تبقى تراوح في مكانها وهي تنظر إلى الأسفل بحثاً عن الأفاعي والثعابين بنظرها الذي يقرب لها الأشياء عشرة أضعاف. وعندما تعثر على طريدتها، فإنها تنقض عليها من الأعلى كالصاعقة. ينتهي أمر الأفعى إما في بطن العقاب أو في العش الذي فيه فراخ العقاب، حيث تقوم الأم بتقطيع الأفعى لإطعام صغارها.
شاهدنا أعلاه نموذجاً عن استعمال السمع وآخر عن استعمال الريح ونموذجا عن استعمال النظر لدى الطيور. لكن هناك بعض الطيور كالنسور وطائر الكيوي التي لها حاسة شم قوية جداً تخترق التراب وتمكن الطائر من شم الطرائد من على بعد كيلومترات. فالنسور هي من أهم الطيور التي تعتمد على الرائحة، خصوصاً أنها تتغذى على الحيوانات النافقة في البرية، فتشم الرائحة وتنزل لتناول غذائها. هذه الطيور هي "زبال الطبيعة" التي لولاها لكنا نشم رائحة الفطائس من البرية بدلاً من رائحة الزهور والورود.
أما حاسة الذوق فهي لدى العصافير الطنانة والببغاوات وبعض الأنواع الأخرى. ومن منا لم يشاهد كيف يلمس الببغاء البذور والفاكهة بلسانه قبل التهامها؟ أما الذاكرة لدى الطيور فلغزها ما زال محل دراسات عديدة لأنها تلعب دوراً كبيراً في تحديد وجهة الطيور أثناء الهجرة، لكننا هنا نشير إلى أن الكثير من الطيور تعتمد على ذاكرتها في تحديد أماكن الطعام وفي العودة إلى هذه الأماكن مراراً كلما وجدت نفسها جائعة. وهناك عدد من أنواع الطيور التي ترتاد الشواطئ الرملية لتبحث عن طعامها مما يجلبه البحر مع كل موجة، ونراها تهرع إلى المنطقة التي ينسحب منها الموج ثم تهرول صعوداً هرباً من الموج التالي القادم، وهكذا دواليك. بينما تقوم أنواع أخرى بقلب الحجارة الصغيرة بمناقيرها بحثاً عن الحيوانات الصغيرة التي تختبئ تحتها. أما الرخمة المصرية، فتتولى رمي بيض النعام ذي القشرة السميكة والقوية بالحجارة من أعلى حتى تكسره ثم تنزل إليه لتأكله، ويقوم النسر الملتحي الذي يبتلع عظام الحيوانات الميتة بحمل العظام الكبيرة ورميها من على إرتفاع كاف على الصخور كي تتكسر ويسهل عليه ابتلاعها وهضمها بعصارة ما يسمى بمعدته حتى تذوب.
هذا بالنسبة إلى البعض من الطيور النهارية، أما الطيور الليلية فيعرف عنها أنها إذا اصطادت حيواناً كبيراً كالأرنب فإنها تقطعه إلى أجزاء يسهل ابتلاعها. لكن الطرائد التي يتراوح حجمها ما بين الحشرة والفأر، فإنها تبتلعها كما هي ومن ثم نجدها تلفظ من فمها (تتقيأ) كتلة من الريش والعظام التي لا تستطيع هضمها. وأخيراً، لا بد من القول إن الطيور التي تعيش على أكل الجيف (الحيوانات الميتة) تتقهقر أعدادها وتتجه نحو الانقراض بسبب موتها من جراء تناولها أبقاراً أو أغناماً أو غيرها من الماشية التي كانت تعالج بمادة "الديكلوفيناك" من قبل أصحاب المواشي قبل موتها ورميها في أماكن تصل إليها النسور المسكينة التي يسبب لها هذا الدواء في جسم الجيف موتاً سريعاً.
*متخصص في علم الطيور البريّة