لم يعد التغيير "حتمياً" في فنزويلا، بعد إعلان السلطات نيّتها إجراء الانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، من دون أن تحدّد موعداً دقيقاً. ويُمكن اعتبار الموعد نكسة كبيرة للمعارضة، بدءاً من فشلها في إجراء انتخابات مبكرة في فترات عدة في العامين الماضيين، رغم سيطرتها على البرلمان، ثم فشلها في الاستفادة من المقاطعة العالمية للرئيس نيكولاس مادورو، فضلاً عن سقوط الخيارات العسكرية سواء بمحاولة السيطرة على القاعدة الجوية في كارلوتا في 30 إبريل/نيسان 2019 أو في محاولة اقتحام عناصر أجنبية البلاد من البحر في 3 مايو/أيار الماضي، وانتهاءً بإعراب مادورو عن استعداده للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يوحي كل ذلك بأن الرهان على زعيم المعارضة خوان غوايدو للإطاحة بمادورو كان فاشلاً، في ظلّ عجزه عن استمالة الجيش الفنزويلي.
وكان المجلس الوطني الانتخابي، أعلن مساء أول من أمس الثلاثاء، أن الانتخابات ستُجرى في ديسمبر المقبل. وذكرت رئيسة المجلس أنديرا ألفونزو ذلك على التلفزيون الفنزويلي، من دون أن تحدّد موعداً دقيقاً. وأضافت أن هذه الانتخابات ستجري وفقاً "لمعايير خاصة" اعتُمدت حديثاً، وأن عدد مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان) سيرتفع من 167 إلى 277. وكشفت أن نحو 86 حزباً ستشارك في الانتخابات رغم مقاطعة المعارضة. وغالبية هذه الأحزاب هي تنظيمات لا تحظى بنفوذ. وقررت المعارضة مقاطعة الانتخابات، ووصفتها بـ"المهزلة"، وذلك رداً على تعيين محكمة القضاء العليا في يونيو/حزيران الماضي أعضاءً جدداً على رأس المجلس الوطني الانتخابي المكلف الإشراف على الانتخابات. وهذه المحكمة متهمة بالانحياز لصالح سلطة الرئيس الاشتراكي مادورو، علماً أن كندا فرضت عقوبات على رئيسة المجلس ألفونزو. ويأتي الإعلان الانتخابي، على وقع إبداء مادورو استعداده للحوار مع ترامب الذي اقترح ذلك. وقال مادورو في مقابلة مع وكالة الأنباء الفنزويلية بثّها التلفزيون الرسمي: "إذا اقتضت الضرورة ذلك، فأنا مستعد للتباحث باحترام مع الرئيس دونالد ترامب". وكان ترامب أعلن في بادئ الأمر استعداده للقاء مادورو، لكنّه عاد وأوضح أنّ أيّ لقاء بينه وبين الرئيس الاشتراكي سيكون له هدف أوحد هو التفاوض على شروط تخلّي مادورو عن السلطة. وأتى تصريح ترامب خلال مقابلة نشرها يوم الأحد الماضي، موقع "أكسيوس" الإخباري الذي نقل عن الرئيس الأميركي قوله ردّاً على سؤال عن إمكان أن يلتقي نظيرَه الفنزويلي: "يمكن أن أفكّر بذلك، مادورو يرغب في أن نلتقي. ولم أعارض أبداً اللقاءات، كما تعلمون لم أعارض عقد لقاءات إلا نادراً"، مضيفاً: "لقد قلت على الدوام إننا لا نخسر كثيراً من عقد لقاءات، لكن حتى الآن، رفضت ذلك". غير أنّ الرئيس الأميركي سارع إلى توضيح موقفه بتغريدة على "تويتر"، يوم الإثنين الماضي: "سألتقي مادورو فقط لمناقشة شيء واحد: خروج سلمي من السلطة".
قررت المعارضة مقاطعة الانتخابات ووصفتها بـ"المهزلة"
وكان مادورو قد طالب سفيرة الاتحاد الأوروبي في كراكاس، بريلانتي بيدروزا، بمغادرة بلاده في غضون 72 ساعة، وذلك بعد فرض بروكسل عقوبات على 11 مسؤولاً فنزويلياً لضلوعهم في إجراءات ضد المعارضة، من بينهم لويس بارا الذي حاول في مايو الماضي الحلول محل غوايدو في رئاسة البرلمان. ورداً على هذا، استدعى الاتحاد الأوروبي سفيرة فنزويلا لدى الهيئات الأوروبية، كلاوديا ساليرنو. يُذكر أن صلاحيات الاتحاد الأوروبي لا تخوله طرد سفراء، إذ إن هذه الصلاحية تعود للدولة المضيفة. لكن بوسع الاتحاد إعلان ساليرنو "شخصاً غير مرغوب به" بموجب معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وأعلنت المتحدثة باسم الدبلوماسية الأوروبية فيرجيني باتو، أول من أمس الثلاثاء، أن الاتحاد "لا يمكنه عملياً طرد سفير من منطقة، إذ إن ذلك من اختصاص الدولة المضيفة". وأفاد الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "نحن مقتنعون بأن أي إجراء يعيق العمل الدبلوماسي سيساهم فقط في تفاقم التوترات وتقويض السبيل السلمي والسياسي للخروج من الأزمة"، معرباً عن اعتقاده بأنه "سيزيد من عزلة نظام الرئيس مادورو دولياً، وأنه ليس سبيلاً جيداً لمحاولة حل المشكلة السياسية في فنزويلا. لذا نأسف بشدة لاتخاذ هذا الإجراء". وتشهد فنزويلا منذ 23 يناير/كانون الثاني 2019 صراعاً على السلطة، بعد إعلان رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو نفسه رئيساً انتقالياً للبلاد في محاولة لإقصاء مادورو، لكن المحكمة العليا لا تعترف بقرارات البرلمان، وبالتالي لم يكن إعلان غوايدو "شرعياً" في كراكاس. وبدأ الرئيس الاشتراكي ولاية ثانية بعد انتخابات قاطعتها المعارضة في مايو 2018، وندّد بها المجتمع الدولي، معتبراً أنّها مزورة. واعترفت نحو 50 دولة، على رأسها الولايات المتحدة، بغوايدو رئيساً انتقالياً، لكنّ الصين وروسيا دعمتا مادورو الذي يخضع نظامه لعقوبات أميركية.
(العربي الجديد، فرانس برس)