مع اندلاع الثورة السورية، قام النظام السوري بحملات اعتقال واسعة بحق الفنانين السوريين، من ممثلين ومخرجين وفنانين تشكيليين ومصورين، خوفاً من قدرة هؤلاء على التأثير في الرأي العام. حينها، لم يكتف النظام باعتقال الفنانين المعارضين، وإنما قام باعتقال الفنانين الذين اعتُقلوا في وقت سابق، أيام "القائد الخالد"، في الثمانينيات.
حتى اليوم لا يزال النظام السوري يعتقل الفنانين في الداخل السوري من دون أن يكون لهم أي نشاط سياسي يذكر؛ فاليوم لا يكتفي النظام بحيادية الفنان وعدم مجاهرته بمعارضته، وإنما يتوجب على الفنانين تقديم الولاء بشكل معلن.
في الثامن من الشهر الحالي، اعتُقل الفنان والنحات سهيل متروك ذبيان (43 عاماً)، من قبل عناصر حاجز "النسيم" في منطقة جرمانا في دمشق. وحسب ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحاجز يتبع لفرع الأمن الخاص بالمخابرات الجوية. وحسب ما نُشر من قبل القريبين لذبيان على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الفنان سافر إلى دمشق قبل أيام من اعتقاله بهدف إتمام إجراءات متعلقة بافتتاح معرض فني يجمع أعماله، ليُعتقل عقب مغادرته منطقة جرمانا عائداً إلى "صلخد"، حيث يقطن في محافظة السويداء. ومنذ ذلك الحين لم يستطع أهل ذبيان معرفة أي معلومة عن تهمته ومكان اعتقاله، ويبقى مصيره مجهولاً حتى الآن، ما يجعل اسمه ضمن قائمة المغيبين قسراً.
سهيل ذبيان تم اعتقاله في وقتٍ سابق، أي قبل الثورة السورية، بسبب عمله السياسي حينذاك، ولكنه ابتعد بعد ذلك عن العمل السياسي بشكل نهائي، ولم يشترك خلال الثورة السورية بأي نشاط سياسي معلن ضد النظام السوري. ولذلك تختلف الآراء اليوم حول السبب الذي اعتقل لأجله ذبيان، فبعضهم يرجح أن اعتقاله تم على خلفية ما نشره من رسومات حول المعتقلين داخل السجون في الصفحة الخاصة بأعماله على فيسبوك منذ بداية العام الجاري، رغم أن تلك الرسومات لا تصرح عن موقف ما، ويمكن تأويلها بطرق مختلفة، إضافةً إلى أن المدة الزمنية الفاصلة بين تاريخ نشرها لأول مرة على صفحته وتاريخ اعتقاله طويلة. وبعضهم يرجح أن اعتقاله جاء على خلفية اعتقاله السابق، إلا أن هذا الفرضية تضعنا أمام سؤال: لماذا لم يعتقل ذبيان طيلة تلك السنوات ما دام اسمه ضمن قائمة المطلوبين على خلفية عمله السياسي السابق؟
الحقيقة، لم يقم ذبيان بما يثير غضب الدولة، ونشاطه السياسي خلال السنوات السابقة كان ضمن إحدى الجهات التي تعمل في كنف الدولة؛ إذ إن ذبيان هو أحد أعضاء هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وأصدرت تلك الهيئة بياناً صحافياً عقب اعتقال ذبيان تستنكر فيه الاعتقال التعسفي له وللمواطنين بشكل عام قائلة: "نستنكر استمرار توقيف المواطنين من دون مبرر على الحواجز وعدم معرفة مصيرهم ومنحهم الفرصة لإبلاغ ذويهم، ونطالب بالإفراج الفوري عنه وعن جميع الموقوفين والمعتقلين".
اعتقال فنان محايد ليس ظاهرة جديدة من نوعها، إذ تعتقل الأجهزة الأمنية، تعسفياً، الفنانين بين حين وآخر لأسباب عديدة، منها تخويف المدنيين وتعزيز قبضة النظام الأمنية، وإجبار ما تبقى من فنانين على إظهار ولائهم بشكل علني، وإجبارهم على ممارسة التشبيح للنظام لضمان سلامتهم. ففي عام 2016 تم اعتقال المخرج إسماعيل حسينو الذي لم يُبد أي مواقف سياسية علنية معارضة للنظام، حيث اعتقل حسينو من قبل حاجز أمني في العاصمة دمشق وتم احتجازه فيه لمدة أربع وعشرين ساعة على خلفية مخالفة مرورية، ومن ثم تم نقل حسينو جثة هامدة إلى مشفى ابن النفيس في دمشق. وتضاربت الأخبار حينها حول ما تعرض له حسينو من تعذيب أدى إلى وفاته على الفور، بينما تناقلت صفحات إعلامية مؤيدة للنظام السوري الخبر أن حسينو رحل بسبب إصابته بجرثومة دموية! وتكتمت عائلة حسينو في الداخل السوري عن التصريح بالسبب الحقيقي لوفاته.
حتى اليوم، لا يزال النظام السوري يعتقل العديد من الفنانين السوريين من دون معرفة لأي معلومات عن مصيرهم، منهم الممثل المسرحي والمخايل زكي كورديللو وابنه مهيار، الذي كان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية عندما اعتقل سنة 2012، وإلى اليوم لا تعلم عائلة كورديللو السبب الذي أدى إلى اعتقالهما؛ وبحسب شهادات من أصدقاء العائلة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن لزكي أو لابنه مهيار أي نشاط سياسي معلن، ورغم المحاولات الكثيرة لمعرفة مكان وجودهما ومصيرهما، إلا أن حكومة النظام السوري لم تقدم أي معلومة عنهما، ليمر ما يزيد على ستة أعوام على الحادثة بتعتيم إعلامي عن آخر فناني خيال الظل في سورية، في الوقت ذاته الذي يحاول فيه إعلام النظام السوري أن يلبس رداء الحضارة والانفتاح.
ومن هذه الحوادث، يبدو لنا واضحاً أن الفنانين السوريين اليوم لن يتمكنوا من اتقاء شر النظام واعتقاله بحال صمتوا، فالسبيل الوحيد للحماية هو الإجهار بالولاء المطلق؛ وسبق أن صرح نقيب الفنانين الشهر الماضي، بأن الفنان يجب أن يكون بعثياً، ليؤكد خطابه ضرورة الانصهار ببوتقة النظام الإعلامية لضمان السلامة واستمرار العمل.
اقــرأ أيضاً
حتى اليوم لا يزال النظام السوري يعتقل الفنانين في الداخل السوري من دون أن يكون لهم أي نشاط سياسي يذكر؛ فاليوم لا يكتفي النظام بحيادية الفنان وعدم مجاهرته بمعارضته، وإنما يتوجب على الفنانين تقديم الولاء بشكل معلن.
في الثامن من الشهر الحالي، اعتُقل الفنان والنحات سهيل متروك ذبيان (43 عاماً)، من قبل عناصر حاجز "النسيم" في منطقة جرمانا في دمشق. وحسب ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحاجز يتبع لفرع الأمن الخاص بالمخابرات الجوية. وحسب ما نُشر من قبل القريبين لذبيان على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الفنان سافر إلى دمشق قبل أيام من اعتقاله بهدف إتمام إجراءات متعلقة بافتتاح معرض فني يجمع أعماله، ليُعتقل عقب مغادرته منطقة جرمانا عائداً إلى "صلخد"، حيث يقطن في محافظة السويداء. ومنذ ذلك الحين لم يستطع أهل ذبيان معرفة أي معلومة عن تهمته ومكان اعتقاله، ويبقى مصيره مجهولاً حتى الآن، ما يجعل اسمه ضمن قائمة المغيبين قسراً.
سهيل ذبيان تم اعتقاله في وقتٍ سابق، أي قبل الثورة السورية، بسبب عمله السياسي حينذاك، ولكنه ابتعد بعد ذلك عن العمل السياسي بشكل نهائي، ولم يشترك خلال الثورة السورية بأي نشاط سياسي معلن ضد النظام السوري. ولذلك تختلف الآراء اليوم حول السبب الذي اعتقل لأجله ذبيان، فبعضهم يرجح أن اعتقاله تم على خلفية ما نشره من رسومات حول المعتقلين داخل السجون في الصفحة الخاصة بأعماله على فيسبوك منذ بداية العام الجاري، رغم أن تلك الرسومات لا تصرح عن موقف ما، ويمكن تأويلها بطرق مختلفة، إضافةً إلى أن المدة الزمنية الفاصلة بين تاريخ نشرها لأول مرة على صفحته وتاريخ اعتقاله طويلة. وبعضهم يرجح أن اعتقاله جاء على خلفية اعتقاله السابق، إلا أن هذا الفرضية تضعنا أمام سؤال: لماذا لم يعتقل ذبيان طيلة تلك السنوات ما دام اسمه ضمن قائمة المطلوبين على خلفية عمله السياسي السابق؟
الحقيقة، لم يقم ذبيان بما يثير غضب الدولة، ونشاطه السياسي خلال السنوات السابقة كان ضمن إحدى الجهات التي تعمل في كنف الدولة؛ إذ إن ذبيان هو أحد أعضاء هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وأصدرت تلك الهيئة بياناً صحافياً عقب اعتقال ذبيان تستنكر فيه الاعتقال التعسفي له وللمواطنين بشكل عام قائلة: "نستنكر استمرار توقيف المواطنين من دون مبرر على الحواجز وعدم معرفة مصيرهم ومنحهم الفرصة لإبلاغ ذويهم، ونطالب بالإفراج الفوري عنه وعن جميع الموقوفين والمعتقلين".
اعتقال فنان محايد ليس ظاهرة جديدة من نوعها، إذ تعتقل الأجهزة الأمنية، تعسفياً، الفنانين بين حين وآخر لأسباب عديدة، منها تخويف المدنيين وتعزيز قبضة النظام الأمنية، وإجبار ما تبقى من فنانين على إظهار ولائهم بشكل علني، وإجبارهم على ممارسة التشبيح للنظام لضمان سلامتهم. ففي عام 2016 تم اعتقال المخرج إسماعيل حسينو الذي لم يُبد أي مواقف سياسية علنية معارضة للنظام، حيث اعتقل حسينو من قبل حاجز أمني في العاصمة دمشق وتم احتجازه فيه لمدة أربع وعشرين ساعة على خلفية مخالفة مرورية، ومن ثم تم نقل حسينو جثة هامدة إلى مشفى ابن النفيس في دمشق. وتضاربت الأخبار حينها حول ما تعرض له حسينو من تعذيب أدى إلى وفاته على الفور، بينما تناقلت صفحات إعلامية مؤيدة للنظام السوري الخبر أن حسينو رحل بسبب إصابته بجرثومة دموية! وتكتمت عائلة حسينو في الداخل السوري عن التصريح بالسبب الحقيقي لوفاته.
حتى اليوم، لا يزال النظام السوري يعتقل العديد من الفنانين السوريين من دون معرفة لأي معلومات عن مصيرهم، منهم الممثل المسرحي والمخايل زكي كورديللو وابنه مهيار، الذي كان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية عندما اعتقل سنة 2012، وإلى اليوم لا تعلم عائلة كورديللو السبب الذي أدى إلى اعتقالهما؛ وبحسب شهادات من أصدقاء العائلة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن لزكي أو لابنه مهيار أي نشاط سياسي معلن، ورغم المحاولات الكثيرة لمعرفة مكان وجودهما ومصيرهما، إلا أن حكومة النظام السوري لم تقدم أي معلومة عنهما، ليمر ما يزيد على ستة أعوام على الحادثة بتعتيم إعلامي عن آخر فناني خيال الظل في سورية، في الوقت ذاته الذي يحاول فيه إعلام النظام السوري أن يلبس رداء الحضارة والانفتاح.
ومن هذه الحوادث، يبدو لنا واضحاً أن الفنانين السوريين اليوم لن يتمكنوا من اتقاء شر النظام واعتقاله بحال صمتوا، فالسبيل الوحيد للحماية هو الإجهار بالولاء المطلق؛ وسبق أن صرح نقيب الفنانين الشهر الماضي، بأن الفنان يجب أن يكون بعثياً، ليؤكد خطابه ضرورة الانصهار ببوتقة النظام الإعلامية لضمان السلامة واستمرار العمل.
بعد وفاة آخر المخايلة عبد الرزاق الذهبي، حمل زكي كورديللو على عاتقه مهمة المحافظة على مسرح خيال الظل من الاندثار، وهو النمط المسرحي الذي اشتهر بالمنطقة العربية وشرق آسيا منذ أمد بعيد، ولم تقم وزارة الثقافة السورية بأي جهد يذكر لحماية هذا التراث الذي تناقلته الأجيال لما يقارب ثمانية قرون. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت تقارير عدة عن خيال الظل في القنوات التلفزيونية التابعة للنظام السوري ضمن الفقرات الثقافية، ولكن لم يذكر في أيٍّ من تلك التقارير اسم كورديللو، ليبدو كأن النظام قد محاه ومحا أثره من سجلات التاريخ الفني.