فليطمئن لبنان

13 يوليو 2019
+ الخط -
قتل حزب الله أعدادا كبيرة من السوريين، ورحّل أعدادا ممن نجوا بحياتهم من المناطق التي اجتاحها، فكان من الطبيعي أن يذهب قسم منهم إلى جيرانهم في لبنان، طلبا للأمن، لاعتقادهم أنهم سيلقون معاملة لائقة كالتي خصّوا بها قبل أعوام قليلة مئات آلاف اللبنانيين الشيعة الذين كان من الطبيعي أن يقصدوا سورية، ويتوقعوا معاملة أخوية من أهلهم وإخوتهم هناك، وهكذا كان، فقد تسابق السوريون على الترحيب بهم واستضافتهم في منازلهم، ولم يسكن أحد منهم خيمة، أو في مخيم.
أذكّر بهذا، لأن من الضروري تفادي انهيار ما في علاقات الشعبين الشقيقين من مودة وتراحم، بينما تتربّص بهما تحديات دمرت المجتمع والدولة في سورية، ولن توفر لبنان الذي ربطه حزب الله بإيران، وتعهد بزجه في حربٍ لا ناقة له فيها ولا جمل. تقول إسرائيل إنها ستستهدفه بكل ما لديها من قوة، ستترتب خسائرها البشرية ومآسيها العمرانية على التزامات طرفٍ لبناني صغير بخطط إيران التوسعية، ومشكلاتها الكثيرة مع جوارها والعالم، علما أنها لم تُقم يوما وزنا لسلامة وأمن شيعة لبنان أو غيرهم، ولا يهمهما إن قتلوا أو غادروا مواطنهم إلى سورية، المنكوبة بنظامها وبحزبهم وبملاليها، حيث سيتعرّضون لا محالة للتشرّد والحرمان، بسبب ما يتعرّض له السوريون منهما، وهم شعب كريم عزيز، أرغم على الإقامة في خيام لم يكن يوما من سكانها، ولم يتسول أطفاله في شوارع مدنه، ولم يرتع في نعيم الفقر والجهل، كما يعتقد بعض اللبنانيين، بل حظي، في سنوات ثورته ضد الاستبداد والإجرام، باحترام من تعزّ الحرية عليهم، كمثقفي لبنان الذين أصدروا بيانا أخلاقي الدوافع، إنساني المقاصد، يثمّن إصرار السوري العادي على نيل حريته، ويدين ما يتعرّض له من تجنٍّ وظلم في لبنان، بقيادة حزب الله، ومشاركة عالم السياسة السفلي، بشخص ممثله جبران باسيل الذي وجّه حماه برفض منح إقامات للسوريين، وبسحب ما منح منها في أول فرصة، بينما تصدر دوائر حزبه أوامر بمنع دخول السوريين إلى مناطقها، وأخرى بمنعهم من السكن فيها، لتحريض اللبنانيين عليهم، باعتبارهم السبب في فساد الحياة العامة في بلاد الأرز، وإجبارهم على العودة إلى النظام الأسدي المجرم الذي يقتل من سلمهم لبنان الرسمي من منشقين عن جيشه إليه، بما يجعله شريكا في جريمة ضد الإنسانية.
اتخذت بلدية في إسرائيل عام 1957 قرارا بإخراج جثمان نمساوي مسيحي، قتل خلال حرب السويس، من مدفن البلدة، لأن وجوده بين موتى اليهود يزعجهم. ألا تقف عقلية كهذه وراء قرار منع دفن موتى السوريين في مقابر بعض البلديات؟!
سوّغت النازية جرائمها بالدفاع عن نقاء العرق الآري، ويسوّغ جبران باسيل جرائمه بنقاء جيناته. ومثلما أشعل هتلر حروبا قتل خلالها ملايين الآريين الأنقياء انتهت بانتحاره، سيؤجج من اكتشف فرادة جيناته نارا لن تنطفئ، تهدد منذ اليوم مصير لبنان، بإدخاله السوريين في صراعاته السياسية، ووقوفه إلى جانب مجرم دمشق.
لا يحب السوريون الخيام، ولم يرفضوا الذل في وطنهم ليقبلوه خارجه، ولن يرتضوا بديلا عن سوريتهم. وقد بدأت أعداد متزايدة منهم تعود من أوروبا إلى المناطق الآمنة نسبيا في "غصن الزيتون" و"درع الفرات" والشمال السوري. وهم شعب معتدل الطباع، ويحب العمل، وينتمي، في معظمه، إلى فئات وسطى متعلمة، وتكره العنف، وسيشكرون شعب لبنان، وهم يغادرونه على ما قدّمه لهم.
فليطمئن لبنان. إن سورياً واحداً لن يبقى في خيامه وجروده، بمجرّد أن يتوقف الأسد عن قتل العائدين منهم إلى مسلخه الكبير، في مصانع الإبادة الجماعية ومحارقها التي يسميها سجونا، وعلى جبهات القتال، حيث يتخلص منهم، ومن شعبهم بأيديهم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.