الأحداث المتواترة في فلسطين تنذر بأقل قدر من التفاؤل. منذ بدء عدوان نظام الأسد على الشعب السوري تحولت فلسطين إلى تفصيل مكرر وممل في تراجيدية المنطقة.
سورية تُباد وفلسطين تكاد تتحول إلى حائط مبكى دائم أو سلعة للاستهلاك السريع خصوصاً بين شريحة واسعة من مثقفي اليسار العربي والغربي تساهم في تبييض وحشية النظام السوري والعدوان الروسي الأخير على سورية. اليوم قام الشباب الفلسطيني مجدداً ليؤكد حقه في العيش بحرية في أرضه. المجابهة تنذر بوحشية غير مسبوقة من العدو الإسرائيلي. هذا متوقع في ظل المقتلة السورية المستمرة.
الحراك المتجدد في فلسطين يعيد تحديد الأفق الفلسطيني: أفق ثوري متمرد على عدو مدجج قادر على ارتكاب المجازر كما عوّدنا. هذا حراك شجاع ويستحق أن نقف معه. نشاط أبو مازن الدبلوماسي أعطى هذا الحراك غطاء سياسياً جزئياً وغير كاف عندما أعلن من نيويورك عدم قدرته على مواصلة الالتزام باتفاقيات أوسلو من طرف واحد طالما أن إسرائيل لا تلتزم بها و اعتبر أن أراضي السلطة الفلسطينية واقعة عملياً تحت الاحتلال فليتحمل الاحتلال مسؤولياته.
قال ما عرفه الفلسطينيون منذ بدء الانتفاضة الثانية. ولكن هل إن التوقيت المتأخر جداً قادر على بلورة حراك طويل الأمد ضد العدو الصهيوني؟ نعم ولكن بشروط العودة الى الثوابت الفلسطينية وخاصة التأكيد على حق العودة الذي تم تجاهله على أرض الواقع رسمياً وشعبياً في المفاوضات التي تلت اتفاقيات أوسلو. بحيث بات حق العودة أشبه بالخطابات العربية الخاوية من أي معنى أو جدية.
إن المطلعين على الوضع الفلسطيني قد نبهوا منذ مدة أن اتفاقيات أوسلو تخلت عملياً عن حق العودة وجعلت من فلسطينيي الداخل في غزة والضفة وفلسطين المحتلة عام 1948الوحيدين الذين يعتبرون فلسطينيين. أما هؤلاء الذين يموتون يأساً في لبنان والأردن وهؤلاء الذين ماتوا جوعاً في مخيمات سورية كاليرموك وحندرات وغيرهما، هؤلاء أصبحوا في العراء لا أحد يطالب لهم بأي حق.
لن نذكّر بأهمية حق العودة كجوهر جامع للقضية ولكن سنتذكر كيف سكتت القيادة الفلسطينية في الضفة عن المقتلة في سورية وعن الحصار الهمجي لأكبر مخيم لجوء للفلسطينيين في مخيم اليرموك وتهجيره الغالبية العظمى من سكانه. لن يكتفي محمود عباس بهذا بل سيبعث برقية تهنئة لبشار عقب نجاحه "بالانتخابات الديمقراطية" المزورة في أول سني الثورة.
وعليه يجب أن نسائل السلطة ونرفض هذا الصمت المخزي الذي جعل من القيادة الفلسطينية تشارك بشكل غير مباشر في قتل الفلسطينيين والسوريين الموجودين في سورية. كيف يمكن السكوت اليوم عن المجازر في سورية ونستمر بتوقع دعم العالم القضية الفلسطينية خاصة أنه منذ بدء الثورة في سورية أصوات كثيرة حوّل أصحابها خطابهم عن الشعب السوري وتركوه يُذبح باسم مناهضة الإمبريالية والمقاومة من أجل فلسطين.
هذا المحور صاحب مسؤولية كبيرة عن تهميش القضية الفلسطينية في الوعي العربي والعالمي سمح، عملياً، لإسرائيل بالتمادي في وحشيتها أسوة بما يرتكبه الأسد من جرائم.
هذا التراجع عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستوى العربي والدولي ساهم في إرجاع الفلسطينيين إلى المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني وتصحيح مسار المقاومة الشعبية في فلسطين. يقوى هذا الحراك إذا ربط سياسياً وحشية ما يفعله الكيان الصهيوني بالمقتلة السورية.
إذا لم يبلور الأفق الفلسطيني المقاوم موقفاً واضحاً من المقتلة في سورية سيمضي الإسرائيليون باستباحة الدم الفلسطيني بدون أي رادع دولي أو عربي. شريحة كبيرة من اليسار الممانع تخطئ إذ تنظر فقط إلى القضية الفلسطينية وتترك السوريين يغرقون في دمائهم وفي المتوسط هرباً من وطن أصبح مقتلة. وبهذا يبيحون إراقة الدم الفلسطيني لأنهم يجعلون من تجاهل المقتلة السورية سابقة لا أخلاقية ذات أبعاد سياسية وقانونية خطيرة تهدد أهل المنطقة كلها وعلى وجه الخصوص أبناء الشعب الفلسطيني.
يجب أن نتذكر من ساهم في إجبارنا على الذهاب إلى أوسلو. يكفي أن نفتح ملف مدريد ونتذكر. سنة 1986 وعلى فترة ثلاث سنوات جوّع النظام السوري أهلنا في لبنان وحاصرهم بوحشية في ما يُعرف بحرب المخيمات التي سبقتها بسنوات مجزرة تل الزعتر سنة 1976.
حافظ الأسد ساهم في إضعاف القضية الفلسطينية ودفعها لخيارات وقرارات أدت بياسر عرفات (ومنحته تبريراً) للقبول باتفاقيات أوسلو الكارثية. واليوم يقتل ابنه الفلسطينيين والسوريين بعبثية مرعبة. واليوم يجب على الحراك الفلسطيني أن يدرك عمق الترابط بين القضية الفلسطينية والسورية.
على الحراك أن يأخذ موقفاً واضحاً وأن يطالب قيادته بالتبني الكامل لموقف يربط بين القضيتين. فسكوت السلطة في الضفة لا يخدم الفلسطينيين، إنه مجرد تواطؤ مع "المجتمع الدولي" بما يكفل للسلطة ورموزها البقاء جالسين في حكم هش غير قابل للحياة. هذا السكوت سيسمح لإسرائيل بارتكاب جرائم تساوي وحشية الأسد. فعلوها في الشجاعية... بإجرامٍ متمادٍ. في زمن الإبادة الجماعية والتهجير الكامل للشعب السوري ماذا تتوقعون من إسرائيل؟
(مؤرخة وباحثة لبنانية/ جامعة أوسلو)
اقرأ أيضاً: العتاب السوري والدرس الفلسطيني