يُجري الباحث الفلسطيني محمد شعبان صوان دراسة مقارنة بين النموذجيين التاريخيين الأميركي والصهيوني، من خلال النظر واستكشاف التاريخ الأميركي مع الهنود الحمر أو السكّان الأصليين للقارة، ثم مقارنة هذا التاريخ بما مورس من قبل الصهاينة ضد الفلسطينيين.
الدراسة التي نُشرت في كتاب بعنوان "أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء" عن دار "الروافد الثقافية" (بيروت) و"ابن النديم" (الجزائر) تأتي في ثلاثة أقسام يتضمّن كل منها عدّة فصول؛ حيث وزّع الكاتب دراسته في القسم الأول لدراسة التاريخ ما بين 1429 و1774، وهي الفترة التي وسمها بـ "حروب المستعمرين قبل الاستقلال".
يبدأ القسم الأول مع كولمبس ثم وصول الإنكليز، كما يلقي الضوء على ست مستعمرات وتاريخ تأسيسها والممارسات التي كانت تتّبع فيها، ومن هذه: مستعمرات فرجينيا ونيويورك وكارولينا. وفي نهاية هذا القسم يتطرّق إلى الحروب بين الدول الاستعمارية، فنجد الحروب الفرنسية والهندية والإنكليزية، ثم يفرد فصلاً حول ثورة الزعيم الهندي بونتياك عام 1763، والتي حاول من خلالها توحيد القبائل في منطقة البحيرات العظمى وشنّ حرب على كل المستعمرات، ورغم بعض الانتصارات لكن القبائل أُنهكت وبدأت بالتخلّي عن التحالف شيئاً فشيئاً في ثورة دامت ثلاثة أعوام، إلى أن وقّع الزعيم الهندي اتفاقية سلام مع الإنكليز.
أما القسم الثاني من الكتاب فيأتي تحت عنوان "حروب الديمقراطية الأمريكية"، ويتناول فيه الكاتب كيف عاش الهنود في ظل تغيّر المفاهيم الحقوقية بين عالمي بريطانيا الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ويعود في فصل آخر إلى الحروب بين الدول الاستعمارية، وهي إن كانت في القسم الأول فرنسية، فقد باتت الآن ممثلة في الثورة الأميركية والتي يرى الكاتب إنها كانت على الهنود أكثر مما هي على الإنكليز، فقد كان السبب الأساسي للقتال هو الصراع على أراضي الهنود، حيث وجد الهنود في نهاية الأمر أنفسهم بين الإنكليز العاجزين عن حمايتهم والمستوطنين الذي يريدون سلبهم أراضيهم وفوق كل هذا جاءت الثورة الأميركية لتكلل جهود المستوطنيين فتسمّى ثورة، وهي في جزء كبير من حقيقتها حرب إخضاع للهنود.
وفي عدة فصول متتالية ومعنونة بـ "حروب أشباه الآلهة الأميركيين" يتوقف صوان عند عدة شخصيات أميركية مؤسسة لتلك الحقبة، وهم: جورج واشنطن، توماس جيفرسون، أندرو جاكسون وهو صاحب سياسات التهجير لقبائل الجنوب الأميركي، وأخيراً أبراهام لينكولن الذي كانت تتوازى الحروب على الهنود في عهده مع الحرب الأهلية الأميركية وما فيها من محاولات تحرير العبيد. وفي فصل خاص بالحرب المكسيكية الأميركية التي دارت رحاها بين 1846 و1848، يتناول الباحث جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت في تكساس وكاليفورنيا.
يمكن اعتبار القسمين الأولين في الكتاب بمثابة التمهيد التاريخي العميق لإجراء المقارنة المنشودة في القسم الثالث، وهي التي تتناول نقاط التقاء الممارسات الأميركية مع الصهيونية، ومن دون هذا التمهيد الطويل التاريخي والمفصّل لم يكن ممكناً فهم شرعية هذه المقارنة وعدالتها وواقعيتها.
يفرد صوان في القسم الأخير من الكتاب بحثاً في "أدوات الاستئصال الفكري: كيف يؤدي الاستشراق وظيفته التحريفية؟"، وفيه يتطرّق إلى تفاصيل التشويه لشخصية الإنسان الهندي وتعميم الصور النمطية عنه وتحريف تاريخه. كما يناقش التمركز حول الذات الأوروبية المولد، ويعود إلى أساطير التقسيم العرقي التي حكمت الكثير من التاريخ الإنساني، فشيطنت الضحية وعلّت من شأن القاتل. ويذهب الكاتب بالتفصيل إلى التحريف المركب ومشكلاته، فيشرح الكيفية التي جرى من خلالها تحريف صورة المزراع الهندي الأحمر، ثم يربطها بما حدث عند شطب وجود الشعب الفلسطيني كأحد أمثلة التحريف الاستشراقي المركّب ثم يناقش الاستشراق المتسلسل، وكذلك الاستغراب ودوره في تصدير تحريفات إيجابية لصالح المستعمرين.
وفي فصل بعنوان "فلسطين الهندية الحمراء" يقدّم صوان قراءة في السوابق الأميركية للسياسيات الصهيوينة والمتمثلة في؛ الاستعمار الإحلالي أي شعب يحل محل شعب، والتبرير الديني لهذا "المشروع"، ثم الاستناد إلى الحجج التاريخية الحقيقية والمزيفة، وكذلك الغزو الفكري والثقافية إلى جانب تدمير الاقتصاد المحلي، والمفاوضات كوسيلة انتزاع للتنازلات وممارسة الديمقراطية العدوانية، واستغلال الخلافات الداخلية والهيمنة والتهجير وبناء سلطات محلية صغيرة بإمكانها السيطرة على الأهالي... إلخ
الكتاب الضخم (768 صفحة من القطع الكبير) هو دارسة تاريخية موسّعة، مليئة بالأحداث والمقارنات والوثائق ومستندة إلى مئات المراجع، ومتضمنة لصور تاريخية وخرائط، كتاب يعتبره مؤلّفه مليئاً بدروس التاريخ التي لا بد من إعادة قراءتها لفهم أعمق لواقع فلسطين اليوم.