01 أكتوبر 2022
فلسطين البشر قبل الحجر
يُؤسفني القول إننا سئمنا وهرمنا من "القومية" و"المعركة" و"الممانعة"، وكل تلك الكلمات النبيلة التي تم ابتذالها. منذ قيل "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، كان الصوت المكبوت هو صوت المظلومين، لا الظالمين. ومنذ قيل "لفلسطين طريق واحدٌ"، ظهر أن لها طرقاً كثيرة، قد تمر من القاهرة أو دمشق أو بغداد أو بيروت، لكنها لا تنتهي بالقدس.
الجدل الذي أثاره حضور المرشحين الرئاسيّين المصريّين، عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، مؤتمر دعم المقاومة في لبنان، يجب أن يتجاوز الفعل والأشخاص، ليفتح نقاشاً أوسع: كيف ينظر جيل الربيع العربي إلى القضية الفلسطينية؟
برّر أبوالفتوح، مع احترامي له، مشاركته بأن "طريق الحوار يجب أن يظلّ مفتوحاً مع كل أطراف المقاومة، على الرغم من الخلافات مع بعض مواقفها، ولا سبيل سوى ذلك للحفاظ على مستقبلها في مسارها الصحيح، بما يحمي أمتنا العربية من الخطر الصهيوني".
كيف تتحول المذابح والتجويع ودعم الاستبداد، وهي الأفعال التي ذكرها أبو الفتوح في بيانه، إلى "الخلافات مع بعض مواقفها"؟ وهل أظهر حزب الله، في أي لحظةٍ، أنه يحارب في سورية آسفاً مضطراً، لا مقتنعاً فخوراً؟ هل اعترف، في أي لحظةٍ، بجريمة ارتكبها رجاله؟ وهل يبقى التاريخ رصيداً لا ينتهي؟ يحارب قائد "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، أحمد جبريل، مع بشار الأسد، ولم يطلق رصاصة على إسرائيل منذ عشرات السنوات، هل ستبقى لديه قداسة المقاومة إلى الأبد، أم أن لها فترة صلاحية؟
يقول نشيد إسلامي شهير "لبيك إسلام البطولة، كلنا نفدي الحما، لبيك واجعل من جماجمنا لعزّك سلماً". ولا عجب أن يكون أصله أغنية "لبيك يا علم العروبة". يتفق السلطويون، القوميون والإسلاميون، على أن هناك قيمة علوية ذات أولوية مطلقة، تصبح بجانبها حياة البشر ومعاناتهم ثمناً تافهاً.
عقوداً، رفع الحكام العرب قميص فلسطين على منابرهم، منذ قال جمال عبد الناصر وضباطه الأحرار أنهم أطاحوا الملك فاروق، في 1952، بسبب تأثرهم بحصار الفلوجة في حرب 1948، ثم ظهرت أنظمة الآباء العسكريين المؤسسين: معمر القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سورية، وصدام حسين في العراق. كلهم بدأوا طريق فلسطين الذي كان دائماً يبدأ بسحق شعوبهم أولاً.
وتطوّر استخدام فلسطين لتصبح أداة الخلافات السياسية الخارجية، فدعم كل نظام عربي فصيلاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وحصل صدام حسين على بركة الختيار ياسر عرفات شخصياً لغزوه الكويت، وزايد نظام بشار بممانعته على خصومه. وللمفارقة، أثبت كلهم فشلاً ذريعاً على مستوى القضية نفسها، وأذلّتهم العسكرية الإسرائيلية مراراً وتكراراً.
في العالم العربي اليوم جيل جديد سئم كل هذا الزيف، يولي أهميةً للقضية الفلسطينية لأنها بالمقام الأول معاناة شعب وبشر، وليس لأنه "مصادفةً صارت الأرض أرضاً مقدسةً". شردت إسرائيل، في المقام الأول، وقتلت، فلا يوجد فرق بين الموت برصاصة إسرائيلية أو عربية، ولا فرق بين قتل الأطفال تحت الرايات الزرقاء أو الصُفر أو السوداء.
ومن هذا المنظور، لا معنى لتقديم أولويةٍ فلسطينيةٍ على المأساة السورية، والتي سقط في أثنائها من الضحايا أضعاف من سقطوا من الفلسطينيين، وأصبحت لا تقلّ تعقيداً، وأثبتت كيف يمكن لنظام دكتاتوري محلي أن يتعامل كالاحتلال.
في العام 2011، تبادل الشباب المصريون والتونسيون والليبيون واليمنيون والسوريون الاحتفال بثوراتهم، والتشجيع عليها. كان هذا نموذجاً للوحدة العربية الشعبية التلقائية، وحدة المصلحة المباشرة المشتركة، بدون شعارات مستهلكة، أو أنظمة قاهرة تقرّر التوحيد أو الفصل الإجباري.
يحتاج جيل الربيع العربي إلى بلورة موقفٍ مُركّبٍ جديد، تكون فيه القضية الفلسطينية في قلب نضال تقدّمي وتحرّري، يضع أولويته بناء دول ديموقراطية، بما فيها الدولة الفلسطينية نفسها، وتصبح فلسطين موضوعاً شعبياً، يُبنى الموقف منه من الأسفل، ولا يُفرض بوصايةٍ عليا. ومن المؤكد، حينها، أن شعوباً كريمة لا تُهان أو تُهمل، وتختار خيارتها بنفسها، وتتحمّل مسؤوليتها، هي الخطر على إسرائيل. لا صوت يعلو فوق صوت حياة البشر وحريتهم.
الجدل الذي أثاره حضور المرشحين الرئاسيّين المصريّين، عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، مؤتمر دعم المقاومة في لبنان، يجب أن يتجاوز الفعل والأشخاص، ليفتح نقاشاً أوسع: كيف ينظر جيل الربيع العربي إلى القضية الفلسطينية؟
برّر أبوالفتوح، مع احترامي له، مشاركته بأن "طريق الحوار يجب أن يظلّ مفتوحاً مع كل أطراف المقاومة، على الرغم من الخلافات مع بعض مواقفها، ولا سبيل سوى ذلك للحفاظ على مستقبلها في مسارها الصحيح، بما يحمي أمتنا العربية من الخطر الصهيوني".
كيف تتحول المذابح والتجويع ودعم الاستبداد، وهي الأفعال التي ذكرها أبو الفتوح في بيانه، إلى "الخلافات مع بعض مواقفها"؟ وهل أظهر حزب الله، في أي لحظةٍ، أنه يحارب في سورية آسفاً مضطراً، لا مقتنعاً فخوراً؟ هل اعترف، في أي لحظةٍ، بجريمة ارتكبها رجاله؟ وهل يبقى التاريخ رصيداً لا ينتهي؟ يحارب قائد "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، أحمد جبريل، مع بشار الأسد، ولم يطلق رصاصة على إسرائيل منذ عشرات السنوات، هل ستبقى لديه قداسة المقاومة إلى الأبد، أم أن لها فترة صلاحية؟
يقول نشيد إسلامي شهير "لبيك إسلام البطولة، كلنا نفدي الحما، لبيك واجعل من جماجمنا لعزّك سلماً". ولا عجب أن يكون أصله أغنية "لبيك يا علم العروبة". يتفق السلطويون، القوميون والإسلاميون، على أن هناك قيمة علوية ذات أولوية مطلقة، تصبح بجانبها حياة البشر ومعاناتهم ثمناً تافهاً.
عقوداً، رفع الحكام العرب قميص فلسطين على منابرهم، منذ قال جمال عبد الناصر وضباطه الأحرار أنهم أطاحوا الملك فاروق، في 1952، بسبب تأثرهم بحصار الفلوجة في حرب 1948، ثم ظهرت أنظمة الآباء العسكريين المؤسسين: معمر القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سورية، وصدام حسين في العراق. كلهم بدأوا طريق فلسطين الذي كان دائماً يبدأ بسحق شعوبهم أولاً.
وتطوّر استخدام فلسطين لتصبح أداة الخلافات السياسية الخارجية، فدعم كل نظام عربي فصيلاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وحصل صدام حسين على بركة الختيار ياسر عرفات شخصياً لغزوه الكويت، وزايد نظام بشار بممانعته على خصومه. وللمفارقة، أثبت كلهم فشلاً ذريعاً على مستوى القضية نفسها، وأذلّتهم العسكرية الإسرائيلية مراراً وتكراراً.
في العالم العربي اليوم جيل جديد سئم كل هذا الزيف، يولي أهميةً للقضية الفلسطينية لأنها بالمقام الأول معاناة شعب وبشر، وليس لأنه "مصادفةً صارت الأرض أرضاً مقدسةً". شردت إسرائيل، في المقام الأول، وقتلت، فلا يوجد فرق بين الموت برصاصة إسرائيلية أو عربية، ولا فرق بين قتل الأطفال تحت الرايات الزرقاء أو الصُفر أو السوداء.
ومن هذا المنظور، لا معنى لتقديم أولويةٍ فلسطينيةٍ على المأساة السورية، والتي سقط في أثنائها من الضحايا أضعاف من سقطوا من الفلسطينيين، وأصبحت لا تقلّ تعقيداً، وأثبتت كيف يمكن لنظام دكتاتوري محلي أن يتعامل كالاحتلال.
في العام 2011، تبادل الشباب المصريون والتونسيون والليبيون واليمنيون والسوريون الاحتفال بثوراتهم، والتشجيع عليها. كان هذا نموذجاً للوحدة العربية الشعبية التلقائية، وحدة المصلحة المباشرة المشتركة، بدون شعارات مستهلكة، أو أنظمة قاهرة تقرّر التوحيد أو الفصل الإجباري.
يحتاج جيل الربيع العربي إلى بلورة موقفٍ مُركّبٍ جديد، تكون فيه القضية الفلسطينية في قلب نضال تقدّمي وتحرّري، يضع أولويته بناء دول ديموقراطية، بما فيها الدولة الفلسطينية نفسها، وتصبح فلسطين موضوعاً شعبياً، يُبنى الموقف منه من الأسفل، ولا يُفرض بوصايةٍ عليا. ومن المؤكد، حينها، أن شعوباً كريمة لا تُهان أو تُهمل، وتختار خيارتها بنفسها، وتتحمّل مسؤوليتها، هي الخطر على إسرائيل. لا صوت يعلو فوق صوت حياة البشر وحريتهم.