بعيداً عن الصور والمشهد الإعلامي العام في الداخل الفلسطيني، وبعد مداد العنصرية الذي أغرق مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل، وطبع جدران العمارات والبيوت في مدن فلسطين التاريخية، تلك التي صار اسمها المدن المختلطة، بشعارات عدائية وعنصرية، يعاني الفلسطينيون في الأسابيع الأخيرة من محاولات الاعتداء المتكررة على أولادهم، وبيوتهم ومقدساتهم.
دوريات "شعبية" لحماية المساجد والكنائس ليس فقط من "هوس" عصابات جباية الثمن، بل ربما من جارك في البيت المقابل لك على الرصيف، وأحياناً من "جارك" في العمارة نفسها.
وقد رصد "العربي الجديد" مظاهر مختلفة لحياة فلسطينيين لا يعيشون في أحياء أو "غيتوهات" العرب في مدن التاريخ الفلسطيني، فحتى هذه الأحياء اقتحمها اليهود ضمن سياسات البناء والتجديد العمراني التي أتت على بيوت العرب القديمة، وأقامت مكانها أبراجاً سكنية استوطنها يهود جاؤوا في السنوات الأخيرة من مستوطنات القطاع.
لكن عملية الخليل وما تبعها من جريمة قتل الشهيد محمد أبو خضير في شعفاط، أزالت بقايا القناع عن عنصرية وعداء مستديم تجاه كل ما هو عربي في مدن فلسطين التاريخية، ويتجلى هذا بأكثر صوره البشعة في "الحيز العام" لهذه المدن، إذ تبقى المرافق العامة مشتركة لليهود الإسرائيليين والفلسطينيين كالحافلات العامة والجامعات والشارع والرصيف وشاطئ البحر والمستشفيات وغيرها.
تلك المرافق المشتركة تشكل وصفة جاهزة لاحتكاك أكثر بين العرب واليهود، خصوصاً مع تزايد اعتداءات جباية الثمن في هذه المدن. وتتردد الأنباء باستمرار عن اعتداءات ومضايقات للفلسطينيين ومحاولات لاعتداءات وحتى اختطاف لأطفال من أمام بيوتهم.
عكا نموذجاً
في عكا خلع العنصريون رداء الحياء وتظاهروا علناً أمام مبنى البلدية، مطالبين بإخلائها من العرب والانتقام منهم. جاء ذلك بعدما غرقت عكا قبل ثلاثة أعوام باعتداءات دموية على سكانها العرب في أحد أيام "الغفرام" بادعاء أن شباباً فلسطينيين خرقوا أجواء العيد وأداروا سماعات مذياعهم محتفلين دون مراعاة لمشاعر وتقاليد الدين اليهودي.
واليوم تحكي هيبه شافعي حاج من مدينة عكا لـ"العربي الجديد": "انتقلت للسكن في شقة جديدة في عمارة مشتركة من العرب واليهود، وقبل ثلاثة أيام فوجئت بكتابة عبارة "الموت للعرب" في الطابق السابع الذي أسكنه، ولكي أتأكد من الأمر توجهت إلى صاحب الشقة، وسألته هل هذه العبارة كانت على الحائط في السابق، فأكد أنها لم تكن موجودة قبلا".
وتقول الناشطة النسوية والباحثة همت زعبي لـ"العربي الجديد": "تتزاوج القومية واسقاطاتها العنصرية، في المجتمع الاسرائيلي، بالضرورة مع الشوفينية والذكورية. فنظرة سريعة لتعامل المجتمع الاسرائيلي مع النساء الفلسطينيات تكشف عمق التزاوج بين القيمتين. فنجد على سبيل المثال في الحياة العامة المدنية، أن النساء الفلسطينيات، وبحسب الدراسات، يواجهن تمييزاً إضافياً ضدهن في أسواق العمل على خلفية قومية، وخاصة المحجبات بينهن".
وأضافت زعبي أن الشوارع الإسرائيلية تشهد ظاهرة الاستقواء على النساء الفلسطينيات، وعلى المحجبات منهن على وجه الخصوص، علما أن الحجاب هو علامة ظاهرة تكشف هوية النساء وانتماءهن القومي والديني، ليكشف من يقومون بهذا عن عمق العنصرية والشوفينية المتفشية في أوساط كبيرة من المجتمع الإسرائيلي".
الجامعات بؤرة للاحتكاك
في معهد العلوم التطبيقية "التخنيون" تكثر حالات التعرض للطالبات الفلسطينيات. وتعرضت طالبتان قبل أسبوع لمحاولة دهس من سائقة داخل الحرم الجامعي، وقدمت الطالبتان حينها شكوى لأمن الجامعة.
ونشر طلاب عرب في حيفا على صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "الحياة الاجتماعية للعرب في التخنيون" قبل الحادث رسالة حذروا عبرها الطالبات، ولاسيما المحجبات، من خطر اعتداءات مشابهة. وجاء في الرسالة: "بات من الواضح أن الهجمة الهمجية العنصرية قد وصلت أروقة الأكاديمية، لذا عليكن الأخذ بعين الاعتبار أن المُجرم المتطرف قد يعتدي على أي طالبة ومن دون تفريق، لذلك يجب على كل طالبة أخذ أقصى حالات الحذر، ومن غير مبالغة ومن غير استهتار بالموضوع".
ولا تتوقف حوادث الاعتداءات عند التهديد ومحاولات التحرش أو المضايقة الكلامية، بل يجري أحيانا الاعتداء على العرب في الحافلات والباصات العامة، كما يتعرض العمال في البلدات اليهودية لاعتداءات متكررة، ففي بلدة طيرة حيفا قام مجهولون بإضرام النار في مركبة عمال عرب في ورشة للبناء.
وتشهد مدينة يافا توتراً وترقباً في الأيام الأخيرة أكثر من أي "مدينة مختلطة" على الساحل الفلسطيني. فيافا تتميز بانعدام وجود أحياء عربية خالصة فيها، خلافاً لعكا وحيفا واللد والرملة، ويسكن فيها اليهود والفلسطينيون جنباً إلى جنب وفي العمارات نفسها.
وتشهد الأيام الأخيرة وخصوصاً بعد العدوان على غزة وتمكن المقاومة من إطلاق صواريخها على تل أبيب، حالة قلق وتوتر أكبر، إذ يرتفع منسوب التوتر والغضب مع سماع صفارات الإنذار وسقوط صواريخ من غزة. قلق يترجم إلى مواجهات يومية بين السكان أنفسهم.
وقبل أيام اعتدت مجموعة مستوطنين على طفلة في العاشرة من عمرها في بيتها، ما أثار غضب أهالي يافا فخرجوا من حي العجمي إلى الشوارع معبرين عن غضبهم حيال الحادثة.
ويقول الناشط السياسي وأحد سكان يافا جهاد عبد الله: "منذ الحادثة يخرج أهالي يافا يومياً إلى الشوارع بعد صلاة التراويح ويرفعون شعارات وقف العدوان على غزة ويغلقون الشوارع ويرفعون الأعلام الفلسطينية".
يتابع عبد الله: "تم مؤخراً حرق المقبرة العسكرية للجيش الإسرائيلي، وما زالت الشرطة تبحث عن المتهمين وتقوم بشكل دائم بتفتيش الشباب العرب دون سبب وتوقفهم في الشارع، كما أن شواطئ البحر مغلقة بسبب خوف الإسرائيليين الذين بات قسم كبير من مصالحهم في يافا مغلقاً. إضافة إلى التوتر في محطات الحافلات والقطارات بين العرب واليهود عند سماعهم اللغة العربية".