فلسطينات

07 أكتوبر 2015
من تخريج طلاب جامعة بيرزيت (عباس المومني/فرانس برس)
+ الخط -
يحتاج المرء لمثل هذه الأوقات المترددة بين الانتفاضة الشاملة والهبّة الجماهيرية المحدودة، ليكتشف حجم "الإنجاز" الذي حققته العقيدة الصهيونية عموماً، وإسرائيل بمؤسساتها خصوصاً، حيال تفتيت أي خطر فلسطيني جدّي (الحديث لا يشمل احتمالات الإقليم العربي). يتمثل "الإنجاز" الذي تم تدوين جزء كبير من صياغته في اتفاقيات أوسلو وملحقاتها، في جعل فلسطين، عبارة عن "فلسطينات" متعددة، أي خلق ظروف معيشية واقتصادية وحياتية عموماً، متفاوتة في كل بقعة مما تبقى من الأراضي المحتلة.

استنفرت إسرائيل كافة عقولها الاستراتيجية لتطبق نظرية جعل الفلسطينيين يخسرون الكثير في حال قرروا المواجهة والمقاومة، من خلال "السلام الاقتصادي"، أو فتات الرفاهية التي سمحت لهم بها في القدس وبعض أحياء الضفة الغربية. حتى داخل الضفة، صارت الأوضاع متفاوتة، بين رام الله "الراقية" بنمط حياة عدد من أحيائها ومقاهيها ونواديها الليلية وفروع الشركات الأجنبية فيها، ومخيمات جنين وطولكرم البائسة مثلاً. الغيرة والحسد حتى بين أبناء مناطق الضفة، التي تتحول أحياناً حقداً مقلقاً، مشاعر لا يحتاج اكتشافها سوى لدردشات مع أبناء من هذه المناطق، ليعرف المراقب من الخارج، كم أن ظروف انتفاضة شاملة، أحد شروطها الضرورية هي وحدة الحال، باتت صعبة التحقق.

إن كان الحال كذلك حتى داخل الضفة الغربية، على صِغَر مساحتها، بمناطقها الأوسلوية، فكيف الحال إن أُجريت المقارنة مثلاً بين رام الله من جهة، وغزة المنكوبة! من هنا ربما، يسيل الحبر في الصحف العبرية ومراكز التفكير العسكرية والسياسية منذ أشهر، تحديداً منذ انتهاء عدوان الرصاص المصبوب، حول ضرورة إبرام تهدئة طويلة الأمد مع القطاع، والتفكير في السماح للقطاع بأن يتفلّت، وإن نسبياً، من الحصار القاتل المفروض عليه، ليصبح للغزيين ما يخسرونه في كل مرة يُطرح أمامهم خطر اندلاع مواجهة عسكرية شاملة مع الاحتلال، بينما اليوم كل ما يخسرونه هو بائس أصلاً في القطاع الأفقر والأكثر اكتظاظاً وتلوثاً في العالم ربما.
المساهمون