شئنا أم أبينا، هذا واقع حالنا اليوم. الخناق يضيق أكثر فأكثر، ويصعب كسر الطوق يوماً بعد آخر. كأنّما الخيارات معدومة، ولا مفرّ لنا من ذلك الوباء العالميّ الذي ما زال يُصنَّف مستجدّاً. هو قال كلمته، ليس صحيّاً فحسب وفق ما يقتضي الأمر، لا بل على مختلف الصعد. قد يكفي أنّه قيّد حريّات ناضل من أجلها كثيرون وما زالوا، فيما يتغنّى آخرون بأنّهم يتمتّعون بها. ما كان قبل زمن كورونا ليس كما الحال خلاله، ولا بعده في أغلب الظنّ. ليس من الصعب استشراف الغد.
اليوم، لا بدّ من الإقرار بأنّ الحياة، حياتنا، تتمحور حول فيروس ظهر قبل نحو أربعة أشهر في بقعة آسيويّة محدّدة ووُصف بأنّه غامض، قبل أن يتمدّد فيجتاح بقاعاً أخرى في المعمورة ويصير له اسم شائع وآخر علميّ رسميّ وتُكتشَف خريطته الجينيّة. لمن فاته الأمر، فإنّ الاسم العلميّ الرسميّ الذي اعتمدته منظّمة الصحّة العالميّة هو "فيروس كورونا 2 المسبّب لمتلازمة الالتهاب الرئويّ الحاد الوخيم".
هذا الفيروس الذي يمكننا التخلّص منه بقليل من الصابون، بحسب ما تشير إليه إحدى النكات وكذلك أهل الاختصاص الذين يوصون به، ما زال يثير هلعاً بين الناس... بيننا. وتشخص الأبصار إلى عدّادات مختلفة ترصد على مدار الساعة الإصابات بمرض كوفيد - 19 الذي يتسبّب فيه الفيروس، كما الوفيات به وحالات التعافي منه. بالتزامن، نجد أنفسنا عن قصد وعن غير قصد نهمل قضايا كبرى، مكتفين بالبحث عن رابط ما لا بل بابتداع واحد بينها وبين فيروس كورونا. لا تجوز إثارة أيّ مسألة اليوم بمعزل عن واقع الحال... الفيروس الجديد الذي يبسط سيطرته على كامل المعمورة بطرق مختلفة. لا شكّ في أنّ هذا الكلام مكرّر وقد مللناه، غير أنّه لا مفرّ من التذكير بالخناق المستجدّ والمستمرّ على الرغم من التدابير المتّخذة للتخفيف من الإجراءات التي سبق أن فُرضت لمواجهة "عدوّ" ظهر على حين غفلة منّا.
بالعودة إلى الصابون الذي من شأنه أن يفكّك غلاف الفيروس البروتينيّ، وهذه واحدة من الحقائق غير القابلة للنقاش، فإنّ غسل اليدَين وتنظيف مختلف حاجياتنا بالماء والصابون قد يتحوّلان إلى وسواس قهريّ نتعايش معه في المقبل من الأيّام، في حال لم يتحوّلا بعد. وأعراض هذا الشكل من الوسواس القهريّ ستشمل إلى جانب غسل اليدَين، وهو عادة محمودة في الأساس، خشية ما من الآخر. فكلّ شخص هو مصاب محتمل حتى يثبت خلاف ذلك. أليس هذا ما تروّج له السلطات في مختلف أنحاء العالم من خلال التوصية بوضع الكمّامات أو الأقنعة الواقية من جهة وفرض التباعد الاجتماعيّ بأشكاله من جهة أخرى؟ ولعلّ هذا الشكل من الوسواس القهريّ سيساهم في الإبقاء على فقّاعات استحدثناها في خلال حالات الطوارئ المفروضة وما إليها. هي فقّاعات جعلنا أنفسنا فيها خشية من عدوى ينقلها إلينا الآخر... ويترسّخ الوسواس القهريّ.