أطاحت الحرب في سورية، المستمرّة منذ أكثر من خمس سنوات، بمعظم مقوّمات الحياة فيها، وبات الناس يعيشون حياة صعبة، بدءاً من جهود توفير قوتهم اليومي وصولاً إلى دفن موتاهم، عدا عن تأمين الخدمات المختلفة من سكن وكهرباء ومياه واتصالات.
الواقع أنّ حياة الناس بغالبيتهم انقلبت رأساً على عقب. تخلّوا عن معظم "الكماليات" في حياتهم، التي لا تعدّ ترفاً أصلاً. وبات شغلهم الشاغل تأمين الحد الأدنى الذي يبقيهم على قيد الحياة، بعدما تضررت موارد أرزاقهم. بشكل عام، تعطّلت الحياة الاقتصادية من صناعة وزراعة وتجارة، لتظهر مجالات أخرى من قبيل التهريب بين المناطق المحاصرة ومناطق النظام التي يتولاها سماسرة، ما رفع أسعار المواد الأساسية بشكل كبير، وجعل معظم الأسر السورية على حافة الفقر، وربما الجوع.
تقول رفيدة من مدينة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة منذ أكثر من عام، إنّ الأوضاع لم تتحسّن في المدينة بسبب استمرار استهدافها من قبل قوات النظام، ما يؤدي إلى تدمير كل ما يُبنى. تضيف أنّ أسعار المواد الأساسية ما زالت مرتفعة، ما يجعل الناس يبدون وكأنهم يطاردون رغيف الخبز.
من جهةٍ أخرى، ليس الوضع في مناطق سيطرة النظام أفضل حالاً في ظل الغلاء وعدم زيادة الرواتب إلّا قليلاً خلال السنوات الخمس الماضية. كذلك، تراجع سعر صرف الليرة السوريّة، وبات الدولار الواحد يساوي نحو 540 ليرة سورية، علماً أنّه كان يساوي 45 ليرة قبل عام 2011.
في السياق، يقول أبو أحمد وهو من سكان العاصمة دمشق ويعيش في منطقة خاضعة لسيطرة قوات النظام، إنّ راتبه التقاعدي يكاد لا يكفيه لأسبوع واحد، لافتاً إلى أنّه لولا مساعدات بعض الجمعيات الخيرية بالإضافة إلى دعمه من قبل أقاربه في الخارج، لما استطاع تدبّر احتياجات عائلته الأساسية. مع ذلك، يوضح أنّ العائلة تخلّت عن كثير من العادات الغذائية السابقة، وصار التركيز فقط على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات.
هذا الواقع تجلّى في دراسة أعدّتها الأمم المتحدة أخيراً، أظهرت أنّ 83.4 في المائة من سكان سورية يعيشون تحت خط الفقر حالياً بسبب الحرب، بالمقارنة مع 28 في المائة عام 2010. وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان "سورية.. خمس سنوات في خضم الحرب" وشاركت في إعدادها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) وجامعة سانت أندروز البريطانية، أنّ هناك 13.5 مليون شخص، بينهم ستة ملايين طفل، في حاجة إلى مساعدة إنسانية في سورية، وفق إحصاءات نهاية عام 2015.
وأوضحت الدراسة أنّ الناتج المحلي للزراعة في البلاد انحسر بنسبة 60 في المائة بين عامَي 2010 و2015، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية. وبلغ سعر طن الطحين في دمشق 444 دولاراً، أي أكثر بثلاث مرات من المعدل العالمي.
وكان تقرير سابق لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) قد لفت إلى أنّ النقص الذي تعاني منه سورية في محصول القمح يزداد سوءاً. وقد تقلّصت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في ظل تعرّض البنية التحتية الزراعية، بما فيها قنوات الري ومخازن الغلال، للدمار، ومنشآت التخزين التابعة لمؤسسة الحبوب الحكومية، للتدمير.
على الصعيد الصحّي، كان هناك 493 مستشفى في سورية عام 2010، باتت 170 منها خارج الخدمة، فيما يعمل 69 مستشفى بشكل جزئي وفق إحصاءات عام 2015. وقد ارتفعت النسبة اليوم مع تصاعد استهداف المراكز الصحية في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في حلب. ودفعت الهجمات التي طالت المنشآت الصحية عدداً كبيراً من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي إلى الفرار إلى خارج البلاد. وصار هناك طبيب واحد لكلّ 1442 شخصاً عام 2015، علماً أنه كان هناك طبيب لكلّ 661 شخصاً عام 2010.
يقول عضو الائتلاف السوري المعارض ومسؤول اللجنة الطبية جواد أبو حطب لـ "العربي الجديد"، إنّ "القصف الممنهج في حلب وإدلب وريف دمشق وعموم المحافظات أدّى إلى إخراج 70 في المائة منها من الخدمة"، لافتاً إلى أنّ الهدف هو "قتل الأطباء أو تهجيرهم. ومع انعدام الخدمات الطبية بالترافق مع قصف المدارس والأسواق الشعبية، يترك الناس هذه المناطق ضمن سياسة الأرض المحروقة". يضيف أنّ هذه السياسة أدّت إلى نقص في الأطباء بنسبة 90 في المائة، والممرضين بنسبة 92 في المائة، علماً أنّ كل طبيب يُقتل أو يُصاب أو يهاجر لا يعوّض. كذلك، هناك نقص في الأطباء الاختصاصيين، عدا عن تدمير الأجهزة الطبية والمعدات التي لا تعوّض أيضاً.
يشير تقرير "الإسكوا" إلى أن 12.1 مليون سوري باتوا يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي بطريقة كافية. يضيف أنّ دمار المساكن والبنى التحتية يُقدّر بـ 90 مليار دولار. وينقل التقرير عن مديرية المياه والصرف الصحي السورية أنّ البلاد خسرت نصف طاقتها في توفير المياه الصالحة للشرب في عام 2015 نتيجة الدمار الذي أصاب منشآت الضخ والأنابيب.